المنافي في السرد العراقي

ثقافة 2020/01/28
...

عالية طالب
قيل ان ذاكرة السارد العراقي لا تنفصل عن مدينته فهو يحملها بكل تفاصيلها في كل الامكنة التي يتواجد فيها مرغما بسبب الواقع الطارد لرغبته في العيش بأمان في وطنه. .. وهو حين يكتب في المنافي ينفصل عن حاضره ويسحب من ذاكرته كل وجوده الباذخ في وطنه محققا تخمة الامتلاء الصحي بوطن لا يجيد الغربة عنه.
هكذا رأيتهما في كتابيهما اللذان  يحملان لوعة المنافي والوطن ، كتابان لمغتربتين  اجلسا الوطن في مقعد مضيء وامتد الحوار ليدخل في الحب واللوعة وثنائية الرجل والمرأة  واصوات الغياب وشهقة الجرح حين يبحث عن ضمادة استعملها الاحبة يوما .. ابداع سردي وشعري للشاعرة ضحى الحداد والساردة اسيل سامي، كتابيهما صدرا عن دار نينوى وامتلأ الاسم بالذكريات فلم يكن الاختيار عبثيا.
حكايات " أسيل سامي" في ( رقص على جمر الذاكرة ) كانت تسأل الوطن المرتحل معنا : لماذا يحاولون خنق انفاسي بعيدا عنك؟ وقصائد الحداد كانت تعيد دورة الحياة لتنطلق من العراق واليه دون محطات 
مؤلمة. هذا هو الانتماء حين يؤرق اعمارنا المغيبة بين ازقته وشوارعه ورائحة النارنج في حدائقه وصوت الأم في لغة الارض الباقية في الضمائر اينما ندور.
" أسيل سامي" كتابها   يقترب من عملها الاعلامي  " معدة ومقدمة برامج " تهتم بالمجتمع وترصد تحولاته وحركة الاشخاص والامكنة والاصوات فيه، لذا جاءت الفصول والتنقلات وكأنها ريبورتاج  يأخذ مقطعا من حياة امرأة عراقية تعيش الغربة ومعالجة الظروف والازمات بعيدا عن الوطن والعائلة والقدرة على الامساك باللحظة الهاربة من بين زوايا القلب الوحيد في صراع لا يبدو رحيما 
جدا.
وجاء صوت ضحى ضاجا في كتابها ( المنسي في الكولاج ) وهي تقول ( وحده تراب وطني ... يضمني كأم عازبة ) والأم العازبة لا زوج رسمي لها ولكنها تفتعل الوصاية على الجنس فتنتج اجيالا يتسائلون هل اختفاء الأب ضرورة في العراق أم قدر 
غادر ؟؟
كتبت " ضحى" بصوت الانثى واشتركت معها اسيل في السؤال الازلي : من يعطي للمرأة جنسها أم هي ولادة الزمن التي تخصص الكائنات الى امرأة ورجل ولا اختيار في اتساع المسافات  التي تأخذ مداها في بحث كلاهما عن الاخر ليعاودا الالتصاق مجددا بلا بحث مضني عمن تآمر لشحذ سكاكين فصلهما. الانثى ، الوطن، الرجل ، الارض ، الانتماء، الموت، البعث مجددا، الامساك باللهفة ، قصور اللهاث عن الارتطام بالوجه الملاصق ، صوت العراق حين يطرب باحاديث الالفة بين الأهل والاحبة ومن غادر ومن عاد ملهوفا كلها تناغمت لتعطينا  صورا عن بوح عراقي بحت ينادي في بعثرة الاشياء عمن يحسن اعادة الوصل 
مجددا.خصوصية الادب النسوي تعطي مديات ظل يمتد ليدخل في المسكوت عنه والذي يتبرأ الصامت عن سماعه خشية ان يخدش الحياء المزيف لذا اجادت ( أسيل وضحى) في توصيل ما نتلصص سماعه ونردده في دواخلنا ونتبرئ من حدوثه لنصل الى مدينة فاضلة لا يبدو انها قادرة على ضم سكان جدد كما فعلت يوما وانتجت عراقا لا يجيد الا محبة مواطنيه ومحبته 
لهم .