امرأة رائعة

الصفحة الاخيرة 2020/02/02
...

حسن العاني 
لا أدري لماذا شاع بين الموظفين ان إدارة الرجل افضل بكثير من إدارة المرأة، والغريب إن مثل هذا الرأي سائد بين النساء بصورة خاصة، ويعتقدون إن المرأة على رأس السلطة الادارية غالباً ما تكون ظالمة، وتميز بين المنتسبين، هذا غير كونها تعاني من بعض العقد، كأن تشعر بالغيرة العلنية من الموظفة الاحلى منها او الاكفأ او الاعلى شهادة، وتتعاظم غيرتها الى حدود الحسد من زميلتها اذا كانت اغنى، أو كانت متزوجة وهي عزباء، او كان لديها ابناء وهي عاقر، أو كان زوجها يدللها وهي لا تحظى حتى باهتمامه ...الخ.
انا اعترض على هذه الفرضية الغريبة عن تجربة، فقد كنت معلماً في مدرسة مختلطة، وكانت (.....)، سيدة في الاربعين من عمرها، ومؤهلة بشهادة جامعية، هي مديرة المدرسة، اشهد بأنني لم أعمل مع إدارة مثل إدارتها، كل شيء منتظم، ونسب النجاح عالية جداً، كانت تلك السيدة النبيلة تملك لساناً عذباً ولغة راقية مهذبة، إذا تأخر احدنا عن الدوام لظرف طارئ غطت المحاضرة مكانه، حتى اذا حضر واطمأنت عليه لم تؤنبه او تحاسبه بل تقول عبارتها الاثيرة (أهم شي سلامتك) حتى لو كان عذر التأخير لعبة مكشوفة، ولهذا كنا نستحي من جمال اخلاقها وسلوكها فنحرص على الالتزام، ولم تكن هذه السيدة تبخل بالمساعدة بشتى مسميات المساعدة، ولم يحصل أن تخلفت يوماً عن مشاركة ملاكها التعليمي افراحهم او احزانهم، وفوق هذا وذاك كانت تصرف من جيبها لتصليح حنفية او زجاجة شباك، مثلما كانت بين الحين والحين الاخر تشتري من جيبها كذلك حذاء لتلميذ فقير او قميصاً لتلميذة محتاجة...
الامر الوحيد اللافت للنظر في هذه الشخصية الرائعة إنها كانت تميل الى المزاح الساخر ميلاً يقرب من الهوس، حيث لا أحد يقع خارج تلك التعليقات الساخنة، بمن فيهم نفسها، ولأننا عرفنا هذه الانسانة الرائعة عن قرب، وكيف حوّلت ملاك المدرسة الى أسرة حقيقية، لم نكن نغضب ابداً وكنا نمازحها بسخرية مماثلة ولم تكن تغضب ابداً، كنا جميعاً ساعة العمل جادين الجد كله، وفي ساعة المرح نضحك بلا حساب.. من بين ما يحضرني من تعليقاتها هو وجود معلمة تزوجت اربع مرات في ظرف ست سنوات، حيث كان أزواجها يموتون إما بحوادث طريق او مرض او رصاصة طائشة، وأطول زواج لها استمر ثلاث سنوات، وحصل ذات مرة إن المديرة انفعلت من أحد المعلمين، وكان حديث عهد بالمهنة، لأنه ضرب أحد التلامذة بقسوة، فما كان منها الا ان قالت له بعد أن نبهته وعاتبته (يا ربي انشاالله تصير فلانة زوجتك) وتقصد بفلانة التي توفي ازواجها الاربعة، وضحكنا بهستيريا، وكانت (فلانة) أكثرنا ضحكاً!! وأذكر كذلك إن من بين الملاك معلماً آية في الخلق الكريم، وآية في الجمال وكأنه فتاة (مائعة) بصوته وحركاته وتصرفاته، وذات يوم قالت المديرة (أريد ان يأتي معي غداً أحد المعلمين الى مديرية التربية لتسلم الرواتب) فاذا بزميلنا الذي يشبه الفتاة يقدم نفسه (ست فلانة .. آني أجي) وفي الحال ردت عليه بمزاحها الساخر (عيني فلان، صاير متسمع زين، آني ردت رجال يجي ويايه يا عيني) وسبقنا زميلنا المايع الى الضحك بأعلى صوته!!