السوشيال ميديا يستبطن المجتمع العراقي، ويهيمن على فضاء كبير من حياة الناس، وأصبح الترابط معه، شعبيا لا يقتصر على شريحة معينة، وذلك نقطة إيجابية، تعزّز التعامل «الداخلي» بين الأفراد، وتوطّد التواصل مع العالم.
مضاد لذلك، لا يتوافر العراق على دراسة علمية -على حد علمي- عن اعداد رواد المنابر، والنتائج الاجتماعية والمعرفية المتحصّلة من ذلك، على رغم انتشار الجامعات، والمعاهد، ومراكز التحليل وهو أمر لا تعدمه الدول المتقدمة، التي أرست له حيّزا مهما في مناهج
الدراسات الاجتماعية.
تتجاوز أهمية السوشيال ميديا كونه قناة تواصل، الى اعتباره آلية متطورة لجمع المعلومات، وقياس اتجاهات الرأي، التي تسهم في وضع الخطط التنموية، وفي إحصائية، فان نحو 5 مليارات من السكان في العالم يستخدمون الإنترنت والسوشيال ميديا.
السؤال: كيف يمكن الاستثمار في تهافت العراقيين - وجلّهم من الشباب- على السوشيال ميديا، وكيف يمكن توظيف الشغف في يوتيوب، مثالا، لا حصرا، لغايات التنمية، وأنّى يمكن توجيه توفر المعلومات بكميات ثرية وهائلة، الى خدمة أغراض التخطيط وخلق الوظائف،
وتعزيز الاقتصاد.
لقد انتشل الاستثمار في قطاع الميديا التواصلية، اقتصاديات الكثير من الدول من الشلل، وأتاح ملايين الوظائف للشباب، واسّس لشركات كبرى، بينما الانشغال الواسع بالتواصل الاجتماعي، والتغريد والتدوين، في العراق، لا يتعدى كونه هواية، وقضاء وقت، وسجالات سياسية واجتماعية تعمّق الانقسام والفضائحية والتسقيط المتبادل، بدلا من تحويله الى تجارة رابحة، ومؤسسة معلوماتية.
في بلد مثل هولندا، تلج منصةُ الواتساب، الصيدليةَ وعيادة الطبيب والباص، والسوبر ماركت، والبلدية، لإنجاز المعاملات، وضبط المواعيد، ونشر الاستطلاعات، بينما أدخلت شركات ودوائر ومؤسسات، تطبيقات التراسل الفوري للوصول الى الزبائن، والتعجيل في خدمتهم وايصال الرسائل، وتبادل الرأي.
كانت المنصات، الفتيل الذي أشعل ميدان الاحتجاج بأوكرانيا حول اتفاقية التجارة الحرة. ووظّف الحزبان الرئيسان، العمال والمحافظين، في بريطانيا، استثمارات ضخمة في التواصل الاجتماعي، خلال انتخابات العام 2015. وفي العام 2008، استخدم أوباما Facebook للوصول إلى جميع الأشخاص الذين يحتاجهم لتشجيعهم على التصويت.
هذا في السياسة، اما في نطاق الإعلان التجاري، وتسويق المنتجات والماركات، فان الأمثلة مليارية، لا يتسع المجال لذكرها في هذا النطاق.
العراق يتأخر بشكل مريع عن الاستفادة من هذا التطور المهم على رغم انتشار فيسبوك وتويتر وإنستغرام بسرعة مذهلة في أوساط الشباب، ويدل على ذلك التظاهرات التي وثّقت الكثير من احداثها عبر هذه القنوات وتمكنت من إيصال رسائلها الى العالم، وقياسا الى انجاز الشباب المتظاهر، فان المؤسسات الحكومية، تثبت العجز في الاستثمار في هذه الأدوات المهمة.
يلمس المراقب، للمنصات العراقية، غيابا واضحا للمعالجات الاجتماعية، والاقتصادية، والقطاعات التخصصية، الا ف يما يتعلق بالسياسة، بينما راح النواب والسياسيون، يمطرون المنصة بأفكار مجترّة، ونصوص دعائية من باب اثبات الوجود.
وفي مجتمعات الأنظمة الدكتاتورية، والأخرى المحافظة، كان هناك تخوّف واضح من اختراق التواصل الاجتماعي
للخصوصيات، ولان إدارات المنصات أدركت ان ذلك يمثل عقبة امام انتشارها، لم تنتظر، وتصرفت بذكاء لتجاوز ذلك، وأنشأ Facebook ثقافة مشاركة خاصة وأمينة وموثوقة، لكي لا يقلق الناس بشأن مشاركة معلوماتهم الشخصية وغيرها من المعلومات المهنية، كما ان العلامات التجارية التي لم تعد تقلق من المنافسين لها في المنصات ما ساعدها على خلق الملايين من الوظائف، وتمكنت من إنشاء خطوط تسويق كاملة عبر الإنترنت.
يتوجب إدراك انّ المنصات الاجتماعية، لم تعد نوافذ للدعاية الانتخابية والترويجية، بل باتت قطاعا مهما في عالم المال والبزنس، واداة مهمة في تغيير المجتمعات، عبر توظيف المعلومات والتواصل في خطط المشاريع، وبرامج المستقبل، وقد تجسّد ذلك بشكل واضح في تأسيس الدول المتقدمة بصورة مبكرة، لمشاريع الحكومات الإلكترونية، التي لم تحقق تسهيل الخدمات للمواطنين فحسب، بل زادت من أرباح الميزانيات الحكومية والشركات الخاصة
على حد سواء.