القصة القصيرة في العراق

ثقافة 2018/12/01
...

بغداد/ ابتهال بليبل
تستأثر القصة القصيرة باهتمام النقاد من الأكاديميين والمهتمين والباحثين.. وذلك لأنها منحازة للإنسانية بشكل كبير، واستنادها على التراكم المعرفي بأشكاله كافة وحركة المجتمع وإرثه..
ويتعقب الناقد وجدان عبد العزيز على خلفية مهرجان الكميت الذي اهتم بالقصة القصيرة الآن، نشأت القصة العراقية في اعقاب الحرب العالمية الاولى، كقصة بتقنياتها الحديثة
 لكننا قد نقع في جدلية التراث العربي وعلاقة المثقف العراقي به، وان هناك وفرة من الحكايات الموجودة في بطون الكتب التراثية، قد تكون قصصا تحمل دالتها، لكنها لاترقى الى تقنيات القصة الحديثة، فالمهم بالامر ان نصوص محمود احمد السيد، فتحت الطريق في تأسيس قالب القص بشكله المعاصر، ثم تحولات القصة مضمومنيا من الايديلوجيات المتصارعة الى مس كيان الانسان والتعبير عنه.
 
جنس عابر
وأثرت حقبة الخمسينات في ولادة بنية قصصية واعية لذاتها على يد عبد الملك نوري في مجموعته (نشيد الأرض) وفؤاد التكرلي في (الوجه الأخر)، ثم طغت الشعارات السياسية في اعقاب ١٩٥٨ والانقلابات العسكرية، بعد هذا تليها الفترة الواقعة بين ١٩٦٤ ـ ١٩٧٠ من تأريخ ظلال الحرية، حيث ولد جيل الستينات الأدبي المتمرد متأثراً بأفكار سارتر وكاموا الوجودية، وبأفكار جيفارا الثورية، ثم تليها مرحلة المحنة حيث ينتقل النص القصصي العراقي الى ابعاد اخرى في تأمل شأن الانسان، وكانت الفترة السبعينية قد اهتزت ايضا بسبب الخطابات الايديلوجية المتصارعة، خاصة بين البعثيين والشيوعين، بعدها الحرب العراقية الايرانية، وصراع بين القصص التي تمجد الحرب والقصص في الجانب الاخر، قصص الحرب ذات اللغة البسيطة المنحازة ايديلوجيا للسلطة، والاخرى المعارضة، ليست بطريقة واضحة، لذا اعتمدت الاسطرة والرمزية، ومن مرحلة التسعينات بدأ يتبلور تيار جديد بعد حروب وحصار وجوع وقمع، هذا المخاض القصصي العراقي المحتدم احتدام الواقع العراقي الثقافي والاجتماعي والسياسي، جعل من فن القصة جنسا عابرا، اي حينما نتحدث عن الأجناس الأدبية بصورة عامة، نتحدث عن حدود مرسومة ومعروفة لايمكننا أن نلغيها بالكامل.
 
المضمون العاطفي والاجتماعي
بينما يأخذنا الناقد حاكم حداد لبداية القرن التاسع عشر، وظهور قصاصون كثيرون، نشروا نتاجهم واستمروا في ذلك حتى بدايات العشرينيات، لكن النقاد ومنهم الدكتور عبد الاَله أحمد، ذكر ان اغلبية هذه القصص كانت ضعيفة وذات مضمون بسيط واسلوب فني ضعيف. وقد استمر هذا الحال حتى الثلاثينيات التي شهدت بزوغ فجر القصة الحديثة في العراق، والتي قادها مجموعة من القصاصين، ولكن رغم ذلك، بقيت القصة أسيرة المضمون العاطفي والاجتماعي، ولم تتجاوز ذلك كثيرا، وقد ساد هذا الرأي حتى الاربعينيات، حيث تم أرساء تقاليد مدرسة عراقية في القصة على يد مجموعة من المبدعين الرواد.وتمثل النتاجات الأولى للمبدعين الكبار عند الناقد جميل الشبيبي بدايات واعدة، لمستقبل القاص أو الروائي أو الشاعر، وهي تحمل في تفاصيلها، وجهات نظره عن الكتابة البديلة ( الجديدة) التي يحاول أن يكشف من خلالها صوته القادم، ولذا فان قراءة هذه الأعمال، ينبغي أن تكون بالعلاقة مع التطور الفني الذي حققه المبدع في بدايات حياته الفنية، لان الإبداع الجديد لا يكون على شكل طفرة مفاجئة بل هو تدرج ومران وعلاقة مع القديم وهضمه من اجل تجاوزه .
 
المخيلة السردية
ولكن السؤال الذي يتبادر في الذهن ماهي اشتراطات القصة القصيرة؟ يقول الدكتور علي متعب جاسم ان بعض النقاد قد طرحوا مسألة " الميثاق السردي" ونعني به الوعي الذي ينتجه الكاتب تجاه قارئه من ان ما يكتبه هو "قصص قصيرة جدا"، وكان الميثاق يعمل على توجه القارئ نحو حساسية التلقي بذاكرة ومخيلة سردية.
وقد لاحظ الناقد في بعض المجاميع التي صدرت أن ثمة نمطين من الوعي هناك وعي سردي وآخر نقدي، ويختلف حدة وحضوره من كاتب إلى آخر كما يظهر في طبيعة العنونة او العنونة المصاحبة او التقديم الذي يكتبه الكاتب لمجموعته كما سنرى في المفصل الإجرائي. على أن من المهم الإشارة إلا أن ظهور القصة القصيرة جدا تضمن وعيا بضرورتها.لذا يعمل القارئ على احتلال مرتبة موازية لمرتبة الكاتب نفسه انه مدعو للاستجابة والمشاركة، وكان القصة تستهدفه بشكل مباشر ومن هنا كان للخاتمة فيها دور خاص أشار إليه النقاد وفصلوا في طبيعته. ولا يتوقف دوره على الوعي "الإلزامي" بل ان الأهم  يبدأ في لحظة الانتهاء زمنيا من القراءة وهي بالضرورة لحظة بدء القراءة فكأنما هناك صورة تمتد بعد القراءة لاستكمال القصة ولهذا قد لا نؤيد أن تكون الخاتمة مولدة للإدهاش إنما بادئة له. إن اشتراط القصة القصيرة جدا متلقيا واعيا -عند الناقد- يعني استغناءها عن جملة من السمات التي تعززه كأدب وتنأى به عن المباشرة او التحليل والتمثيل للموقف ثقة بما يتركه المبدع ويستكمله القارئ. لكن السؤال بـ " كيف " يبقى مدار مفصلنا الأخير قبل الانتقال إلى الدراسة الإجرائية ويعني به الدكتور متعب (المخيلة السردية) بعيدا عن البديهيات وعلاقة الأدب بالخيال بل إلى أن ثمة طبيعة مختلفة للخيال، بالمقابل لم يعد افتراضا أن تكون مخيلتنا ذات طبيعة مشابه لتلقي النصوص الحداثية. إن الخيال في مرحلة ما بعد الحداثة لم يعد ملائما بالدرجة نفسها لتلقي النصوص الحداثية. لقد أنتجت النصوص الحداثية نوعا من المصالحة بينها وبين مخيلة القارئ حتى اعتادت تلك المخيلة على طبيعة التخييل وانسجمت معه، وبات من الضروري أن نغير من طريقة تلقينا وتخيلنا للنص. ينطبق تصورنا هذا على الشعر وكذلك السرد، مع ملاحظة أن طبيعة التخييل السردي مختلفة كما هو معروف.
 
التحولات الديناميكية
أن القصة القصيرة عامة، والنسوية خاصة، كما يعتقد الناقد عبد الغفار العطوي، في خطر ومأزق كبيرين، من ناحية المتغيرات التي ارستها التحولات النصية وذهبت بها الى  نهايات مفتوحة ولكي نوضح ذلك يجب أن نلمس تلك التحولات، وكيف وضعت القصة النسوية في طريق الخطورة؟ فالمقصود بالتحول(ات) النصي(ة) - في رأيه-  مصطلح من قاموس النظريات السردية والسيميائية، ويعني اللحظة الفاصلة بين وضعين أولي وثانوي، فالتحول النصي هو السمة البارزة في التسلسل السردي الذي يُقاس بتتابع الحالات وتحولاتها على اعتبار وجود العلاقة بين الفاعل والموضوع، فهو على نوعين تصالي وانفصالي، أما الاتصالي فيكون الفاعل منفصلا في البدء الاولي عن موضوعه ثم يتصل به، وأما الانفصالي فيكون الفاعل متصلا بموضوعه وسرعان ما ينفصل عن موضوعه في الموقف الختامي، وبذاك يمثل التحول الديناميكية في السرد من حيث عدم خلو النص السردي الفاعل منه، على اعتباره أداة منهجية كاشفة للعمل الإبداعي.
 
مشهد عشوائي
تستوقفنا عبارة الروائية أطياف سنيدح- قاصة سابقة وروائية الآن- عن مغادرة القصة عالمها. إذ لم تعد القصة – وفق رأيها- تتكلم ذلك الكلام الجوهري الذي نجده في الرواية. الآن هي شبه قصة في واقع ينشأ القاص على مدار اللحظة وان درس عمقها لكن لن نجد العمق يتقبل إغراق كل شيء في عوالم تتمتع 
بصفحات قليلة.
وتقول إن المشهد اليوم للقصة هو مشهد عشوائي وقصة عشوائية ليست فيها روح فيها لغة كثيرة تجعل المتلقي يشعر بالملل ولا يستمتع في إعادة قراءتها، لربما لدينا الكثير من القصص الناجحة لكن لو أردنا أن نصدق هذا يجب الاعتراف أن هناك القاص الناجح والقصة الفاشلة، لأن القاص يحاول الوصول، وكيفية الوصول لا يحدد مساره ... لذا نحتاج قراءة من القاص لا من القارئ. يجب ان يقرأ نصه للوصول إلى مساره.