حسن العاني
البعيد عن الواقع العراقي، ولا يرى منه الا المظهر الخارجي، يتوهم كثيراً في تصوراته واحكامه، عندما ينظر الى حجم وطبيعة الخلافات والصراعات المحتدمة بين الكتل السياسية، والتي تبلغ احياناً مرتبة التهم المتبادلة بالتخوين او العمالة او التآمر، وقد يذهب الظن الخاطئ به، الى التصديق والاعتقاد، ان العملية السياسية برمتها مهددة، وتقف على شفا حفرة من النار!
كل هذه اوهام تعشش في رأس من يجهل الحقيقة، او يتصيد بالماء العكر، ذلك لأن الخلافات في وجهات النظر بين الكتل، مهما عظمت او تصاعدت لهجتها، تبقى جزءاً من الفعالية الحياتية الصحية التي تمارسها البلدان الديمقراطية في العالم من ناحية، وان هذه الخلافات بحد ذاتها لا تصلح ان تكون قاعدة نبني عليها احكامنا من ناحية اخرى... ذلك لان القرار الصائب في الحكم على (متانة) او (هشاشة) العملية السياسية، انما يقوم على معيار اخر، هو نقاط (الالتقاء)- اي حجم ونوع المشتركات بين الاطراف- او نقاط (الاختلاف) فيما بينها، وايهما اقوى وارسخ، نقاط الالتقاء ام الاختلاف، وفي ضوء ذلك نتوصل الى الاحكام الصحيحة!!
ومن هنا اعتقد جازماً، إن ما يجمع اطراف العملية السياسية هو اعظم وامتن الف مرة من الذي يفرقها، وأنا لا أزعم هذا من باب التطمين او التفاؤل السطحي، وانما من باب فهم الحقائق ورصدها على ارض الواقع وعندي من الادلة الثابتة ما يؤكد موقفي، اذ ما أهمية اختلاف الفرقاء حول قضايا على غرار، أهلية الدستور او الموقف من مجلس السياسات او مصير الصحوات او العفو عن مزوري الشهادات او المساءلة والعدالة او قانون الانتخابات او المنافع الاجتماعية.. الى غير ذلك من القضايا الخلافية التي يمكن حسمها عبر التشاور والحوار وقبة البرلمان؟
اقول: ما أهمية هذه الخلافات في وجهات النظر من هذه المسائل، ازاء الثوابت الرئيسية والجوهرية التي تلتقي عندها اطراف العملية السياسية، حيث وضعت جميعها خطوطاً حمراً امام وحدة العراق ارضا وشعباً، وامام سيادته الكاملة واستقلاله الناجز، فهذه مقدسات وطنية لا يجوز المساس بها من علماني او اسلامي او ليبرالي او سني او شيعي او كردي، ولا من قبل اي مكون قومي او ديني او مذهبي، كما أن هذه الاطراف، وخاصة صاحبة اليد الطولى، وضعت خطوطاً حمراً امام أية محاولة من اية جهة حول قضايا رئيسة اخرى لا تقل اهمية، فالمحاصصة مثلاً وتحسين الكهرباء وزيادة رواتب المتقاعدين كلها خطوط حمر، وجميعها ثوابت لا يمكن تغييرها بل إن هناك خطاً احمر شديد الحمرة وعريضاً كأنه مكتوب بقلم احمر الشفايف امام قضية لا يجوز حتى الحوار فيها
او الاقتراب منها، وهي التداول السلمي للسلطة، فلماذا الخوف على العملية السياسية واطرافها متفقون على الثوابت؟!