الثورة الإيرانية بين الدينية والمدنية

الرياضة 2020/02/09
...

صالح الشيخ خلف
 

على أعتاب ذكرى انتصارها الواحد والأربعين تعيش إيران هذا الاسبوع احتفالاتها السنوية بانتصار ثورتها الاسلامية التي قادها الراحل الامام الخميني وسط تحديات داخلية وخارجية، اقليمية ودولية، تمنى الكثيرون من اصدقائها واعدائها ان تبقى في حدودها من دون ان تخوض صراعات اقليمية ودولية هي في غنى عنها والتي كلفتها الكثير من الجهد والمال والمخاطر.عندما رجع قائد الثورة الامام الخميني من منفاه في فبراير من العام 1979 الى ايران كان الجميع يعتقد ان هذا الامام العجوز لا يريد اكثر من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية كما اقترحها عليه اخر رئيس وزراء في ايران شاهبور بختيار، وهكذا اعتقدت الادارة الاميركية التي كانت تراقب بشغف ما تؤول له الاوضاع والتطورات في بلد كان جزءا من الحرب الباردة التي كانت تحكم المنطقة بفعل المعادلات الجارية وقواعد اللعبة بين الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد السوفياتي . وبقدر ما كانت واشنطن تراهن على استمرار هيمنتها على ايران، كان الاتحاد السوفياتي يراقب التطورات على حدوده الجنوبية لما تمثله ايران من حاجز الدفاع القوي الذي رسمه الاميركي امام تطلعاته السياسية والامنية والعسكرية. لم ترغب القوتان الغربية والشرقية انهيار الحرب الباردة بسقوط نظام الشاه الذي كان يمثل احد اركان الحرب الباردة في المنطقة والذي تبوأ بموجبها مهام شرطي المنطقة الاميركي الذي يستطيع التحكم بإيقاعات التطورات في هذه المنطقة ذات الرمال المتحركة . الامام الخميني الذي نفي للعراق عام 1965 وبعدها الى باريس بعد انتفاضة " 15 خرداد " التي قادها ضد الهيمنة الاميركية على ايران كان يراقب التطورات في داخل ايران وفي المنطقة، إذ وفرت له حياته في مدينة النجف الاطلاع بشكل اكبر على ما يدور من تطورات في المنطقة والدور الذي يلعبه الشاه في الحياة السياسية والامنية والعسكرية الاقليمية والدور الذي منحه الاميركان للشاه لأن يكون الشرطي الذي يستطيع ان يحمي المخططات والمشاريع الاميركية في المنطقة . 
الامام الخميني كان يعلم ما يريد منذ ان وضع اطروحته التي كتبها في النجف الاشرف بشان "الدولة الاسلامية" في ستينيات القرن الماضي، إذ كانت تلك الاطروحة الاساس الذي استند إليها المؤسسون في كتابة الدستور للجمهورية الاسلامية الفتية.بعد اقل من شهرين وتحديدا بعد 49 يوما من اعلان انتصار الثورة اجرت ايران اول استفتاء على انتخاب نوع النظام السياسي الذي يرغب به الايرانيون، إذ طرح الامام الخميني "الجمهورية الاسلامية" للاستفتاء قبل ان يتم انتخاب المجلس التأسيسي لكتابة الدستور الذي استندت إليه الجمهورية الفتية التي نجحت في طرح "توليفة" سياسية في غاية التعقيد بين " الجمهورية " كمبدأ دستوري و" الاسلامية " كدين وشريعة وطريقة حياة كما كان الامام يفكر بها . القضية التي اثارت جدلا واسعا ما زال مستمرا لليوم، هل ان الامام الخميني اراد " الجمهورية الاسلامية " دولة دينية ام دولة مدنية ؟ من خلال بنود الدستور الايراني فان هذه الجمهورية لم تكن " دينية " بما هي دينية، كما لم تكن " مدنية " كما هي مدنية، وانما كانت مزجا ما هو مدني بما هو ديني، حيث اعتمد النظام السياسي على عنصر الانتخابات وصناديق الاقتراع في جميع مفاصله حتى الاطار الذي ينتخب فيه  ولي الفقيه " الذي يعتبر المرشد الاعلى للجمهورية والرجل الاول الذي انيطت له مهام وصلاحيات القيادة العامة للقوات المسلحة واعلان الحرب والسلام ، ومراقبة عمل المؤسسات والاطر السياسية في البلد . وهناك قضية اخرى شكلت ثوابت النظام السياسي وهي قضية الهيمنة الاستعمارية ليس على ايران وانما على بقية الشعوب الاسلامية التي وصفها بـ" المستضعفة " فقد وضع المشرع الايراني هذه القضية في صلب النظام السياسي حيث اكد "لا شرقية ولاغربية" النظام السياسي وانما البحث عن فرص الاستقلال في الارادة السياسية .ولعل من الثوابت المقلقة التي تراها بعض الانظمة السياسية في المنطقة تأكيد الدستور الايراني على " المستضعفين " وضرورة دعمهم للخروج من حالة الاستضعاف، إذ فسروا هذه الثوابت نوعا من التدخل في شؤون الغير. الا ان الحقيقة ان الدستور الايراني اكد على ثوابت الحرية والعدالة والتخلص من الاستعمار وغيرها من الثوابت التي انشدتها جميع الثورات التي شهدها القرن العشرون كالثورة الفرنسية وثورة اكتوبر في روسيا القيصرية، كما انها كانت تعكس ادبيات جميع حركات التحرر في العالم . ان المشكلة التي وقعت فيها " الثورة الاسلامية " هي عدم امكانية الانظمة السياسية في المنطقة ان تتعامل معها كواقع وحاجة تنشدها الشعوب بعد عقود من التسلط والهيمنة وسلب الحريات، الامر الذي رأت فيها خطرا وجوديا يهدد مصالحها، كما نظرت اليها الدول الكبرى باعتبارها تهديدا فعليا لمصالحها على الامد البعيد .