إحداثيات خطاب ترامب لسياسة أميركا الخارجية

العراق 2020/02/09
...

ترجمة وإعداد / انيس الصفار   
 
 
استغل الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” ثالث خطاب له عن حالة الاتحاد للمحاججة بأن إدارته قد نجحت في إطلاق “عودة أميركا العظيمة” من خلال سياساته الاقتصادية ومواقفه الصلبة على الصعيد الدولي. في خطابه، الذي ركّز بشدّة على الشؤون الداخلية، اكتفى لدى مناقشته السياسة الخارجية باستعراض خطوط عامة لما اعتبره نجاحاته الكبرى في السياسة الخارجية بدلاً من الاعلان عن خطط جديدة.
في ما يلي نختار بعض اللمحات السريعة عن أبرز خطوط السياسة الخارجية في خطاب ترامب وما الذي يمكن أن تعنيه ملاحظاته بالنسبة لمستقبل سياسة الولايات المتحدة. 
 
التجارة
رحب ترامب بالمرور الناجح لاتفاقية التجارة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، التي يرمز لها اختصاراً بعبارة “يوسمكا” والتي وقعها فأصبحت قانوناً بتاريخ 29 كانون الثاني وهي الان بانتظار مصادقة كندا عليها لتدخل حيز التنفيذ. كان المقصود من “يوسمكا” أن تكون تجديداً واحياء لاتفاقية أميركا الشمالية للتجارة الحرة، المعروفة اختصاراً بعبارة “نافتا” والتي يقول ترامب أنها كانت مجحفة بحق الولايات المتحدة. في 4 شباط صرح ترامب بأن تغيير اتفاقية “نافتا” كان واحداً من أهم الوعود التي قطعها للشعب الأميركي. كذلك حاجج ترامب بأن صفقة “يوسمكا” الجديدة سوف تخلق 100 ألف فرصة عمل عالية الأجر في مجال صناعة السيارات الأميركية، كما سترفع بقوة صادرات الفلاحين والمزارعين وعمال 
المصانع الأميركيين. 
قال ترامب ايضاً ان الصفقة سوف تضيف ما وصفه بأنه “درجة عالية جداً من الانصاف والتبادلية” الى العلاقات التجارية الأميركية المكسيكية الكندية، كما أنها “أول صفقة تجارية كبيرة على مدى سنوات عديدة تكسب دعماً قوياً من جانب اتحادات العمل الأميركية.” 
على حد تعبيره. يقول الخبير “جيسون ماركزاك” ان نجاح “يوسمكا” كان الفضل فيه أيضاً للمفاوضات المكثفة على مختلف المستويات السياسية ودعم المكسيك، الى جانب تأييد اتحادات العمل.
أعرب ترامب أيضاً عن ابتهاجه بستراتيجيته الاقتصادية تجاه الصين، التي حاولت ادارته الضغط عليها لجعلها تغير ممارساتها الاقتصادية غير المنصفة، بما في ذلك النقل القسري للتكنولوجيا وتقديم الدولة الدعم المالي والتلاعب بالعملة. بعد أشهر من المفاوضات والتعرفات المتصاعدة والتعرفات المقابلة اتفق المفاوضون الأميركيون والصينيون على، “المرحلة الأولى” من الاتفاقية التجارية، التي ستسحب الولايات المتحدة بموجبها التعرفات التي هددت بفرضها مقابل رفع الصين حجم مشترياتها من السلع الأميركية. 
تحدث ترامب بفخر عن هذه الصفقة معتبراً إياها “اتفاقية جديدة رائدة مع الصين سوف تدافع عن العمال الأميركيين وتحمي الملكية الفكرية الأميركية وتدر مليارات الدولارات على خزينة الولايات المتحدة وتفتح اسواقاً جديدة واسعة للمنتجات المصنوعة والمزروعة في الولايات المتحدة الأميركية.” 
على حد تعبيره.
ادعى ترامب كذلك أن إدارته تتمتع الآن بما وصفه بـ “افضل العلاقات مع الصين، بما في ذلك العلاقة مع الرئيس شي جنبنغ شخصياً.” على حد تعبيره، لأن الحكومة الصينية كما يقول “تحترم ما فعلناه.” حاجج ترامب ايضاً بأن هذا الاحترام يسري ليشمل جميع تعاملاته مع الزعماء الاجانب، مضيفاً أن “أيام استغلال الأمم الأخرى لبلاده، وحتى احتقارهم لها، قد اصبحت من الماضي منذ أمد بعيد.” على حد قوله. بيد أن”غراهام بروكي”، رئيس ومدير تحرير مختبر ابحاث “أتلانتك كاونسل” للتحريات الجنائية الرقمية، يشير الى أنه على الرغم من مزاعم ترامب فإن “احدث القراءات التي توصل اليها معهد بيو للابحاث بخصوص مستوى الثقة الدولية بأسلوب تعامل ترامب مع الشؤون الدولية والدعم الذي تحظى به سياسته الخارجية، تخلص الى ان كلا هذين التوجهين يسيران في انحدار شديد.»
 
الشرق الأوسط
في أعقاب شهر شهد تصاعد التوترات بين إيران والولايات المتحدة يطرح ترامب جدلية تقول أنه “يعمل على انهاء حروب أميركا في الشرق الأوسط.” فقد أبرز إعلانه عن خطة اتفاقية السلام بين اسرائيل والفلسطينيين، التي وصفها بـ “الرائدة”، مدعياً بأن “جميع المحاولات السابقة قد فشلت.” كذلك أشاد بعملية الاغتيال الناجحة بحق أبو بكر البغدادي، زعيم داعش الذي وصفه بأنه “سفاح متعطش للدماء”، والجنرال الإيراني قاسم سليماني الذي وصمه بأنه “جزار عديم الرحمة” والمسؤول عن مقتل عدد كبير من افراد القوات الأميركية في العراق. 
استهداف سليماني أدى الى اطلاق زناد الهجوم بالصواريخ على قواعد يتواجد فيها جنود أميركيون خلال شهر كانون الثاني الماضي من قبل إيران، كما جعل البرلمان العراقي يطالب بخروج الجنود الأميركيين، ولكن ترامب يحتج رغم ذلك بأنه كان مبرراً لأن سليماني، على حد قوله، “كان يخطط بنشاط لشن هجمات جديدة.» قال ترامب “ان على النظام الإيراني التخلي عن مساعيه للحصول على أسلحة الدمار الشامل والعمل لصالح شعبه.” كما حيا تواصل احتجاجات من وصفهم بأنهم “الإيرانيون الفخورون” ضد النظام، وحاجج بأن العقوبات الجديدة التي فرضتها إدارته على إيران (عقب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الموقع في 2012) قد أضعفت أداء الاقتصاد الإيراني للغاية، 
على حد تعبير ترامب. 
ولكن ترامب يعد بأن الولايات المتحدة لديها القدرة على مساعدة الاقتصاد الإيراني على التعافي بقوة وخلال فترة قصيرة إذا ما اختارت إيران تغيير مسارها مبتعدة عن الاسلحة النووية ودعم الارهاب. “كل ذلك يمكن أن يحدث بسرعة والأمر متروك لهم تماماً” على حد تعبير ترامب. بيد أن “باربارا سليفن”، مديرة مبادرة “مستقبل إيران” في منظمة “أتلانتك كاونسل”، تشير الى أن اللغة التي استخدمها ترامب تبدو وكأن القصد منها هو الإمعان في الاساءة الى المسؤولين الإيرانيين الذين سبق أن قالوا أنهم لن يعودوا الى التفاوض قبل 
رفع العقوبات أولاً.” تمضي سليفن قائلة: “تبدو آفاق الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وإيران كالحة من الان حتى الانتخابات الرئاسية الأميركية.»
 
الطاقة والمناخ
أشار ترامب الى أن الولايات المتحدة قد ارتقت لتصبح “المنتج رقم واحد في مجال النفط والغاز الطبيعي في العالم 
كله وبشوط بعيد.
” مضيفاً أن “أميركا الان مستقلة في مجال الطاقة.” بيد أنه لم يتطرق في خطابه الى مسألة التغير المناخي أو سياسته تجاه البيئة، باستثناء لمحة عابرة الى مشاركة إدارته في “مبادرة الترليون شجرة”. هذا التغافل “يوحي بأن إنكار قضية التغير المناخي لم يعد من الشؤون المحركة لقاعدة الجمهوريين مثلما كان في الماضي” كما يقول “راندولف بيل” مدير مركز الطاقة العالمي في منظمة “أتلانتك كاونسل” و”ريتشارد مورننغستار” رئيس مجلس 
أمن الطاقة العالمي. 
كما أن حقيقة ابتعاد ترامب عن الخوض في مناقشات إنكار التغير المناخي، ولو أنه لم يتطرق الى الأمر من الاساس، تنطوي على دلالة بأن الجمهوريين، رغم إعراضهم عن الدخول في اية صفقة خضراء جديدة، ربما يكونون قد عدلوا عن نهجهم السابق في محاولة إثبات زيف 
مسألة التغير المناخي».
يقول “ديفد لفنغستون” نائب مدير شؤون المناخ والطاقة المتقدمة في مركز الطاقة العالمي التابع لـ”أتلانتك كاونسل”، أن زحف الولايات المتحدة الى القمة وتصدرها انتاج النفط والغاز الطبيعي اشارة لا ريب فيها على أنها تستطيع الأخذ بناصية الابتكار في قطاع الطاقة، ولكن ينبغي عليها الان استغلال قدرتها على الابتكار في بلوغ اقتصاد تكون محصلة انبعاث الغازات فيه صفر مع حلول 
منتصف القرن الحالي.” بيد أن على الولايات المتحدة، إذ ما أرادت التقدم جدياً على هذا المسار، أن تتبنى خطاباً وواقعاً مركزين على التطور والسياسات التكنولوجية بما يعيد تصحيح منحنى انبعاث الغازات على مستوى العالم وعدم الاكتفاء بمعادلة الأمر على النحو المعتاد من خلال التعهد بزيادة غرس الاشجار، وهي تعهدات قد تتحقق أو لا تتحقق (في اشارة الى وعد ترامب بخصوص 
غرس ترليون شجرة). 
يقول لفنغستون أن رؤية القيادة الأميركية لمشكلة المناخ يمكن أن تكون فرصة لا يمكن تخيلها لخلق الثروة، ولكنها سوف تتطلب نمطاً طموحاً وجريئاً من التفكير يتجاوز نمط الأعمال المعهود.» 
 
* ديفد أي ويمر/عن موقع منظمة “أتلانتك كاونسل” اللاحزبية
 
بمساهمة الخبراء: “جيسون ماركزاك” و”دييغو آريا” و”ماريا فيرناندا بيريز أرغويللو” و”غراهام بروكي” و”باربارا سليفن” و”راندولف بيل” و”ديفد لفنغستون»