د. محمَّد حسين الرفاعي
[I]
لا يمكن اِعتبار الذَّات ماهيَّةً، وهويَّةً مكتملةً، قد تم تحديدها من قِبَلِ الأسلاف. وإنَّ ذلك يعود إلى ماهيَّة الذَّات بوصفها بناءً وإعادةَ بناءٍ، في كل لحظة من لحظات الوجود Existence، بعامَّةٍ، والإنوجاد Existing بوصفه فعلاً مجتمعيَّاً، بخاصَّةٍ. وحتى يمكن أن يقوم التَّساؤل عن ذلك، لا بُدَّ من أنْ ننطلق من ثُنائيَّة [الفرد- والمجتمع]، وما ينتج عن المنظورات النظريَّة المختلفة في فهمها، وإعادة بناء الفهمِ بها.
[II]
إنَّ الفرد لا يكون مجتمعيَّاً إلّا بوصفه متوفّرا على طرق إمكان ذلك. أي بوصفه متوفّرا على إمكان أن يكون نسخةً - صورةً. إنَّه صورة عن [النموذج- المثال Ideal-Type] الذي من شأن [المجتمعيِّ] تحديدُه، أي وَضْعُهُ قبليَّاً. إنَّه، والحال هذه، نسخة عن الآخرين. أولئك الذين يتوفَّرون على إمكان [الـ - ـلا- يكونوا- ذاتَ- أنفسهم- العميقة]. وهكذا، ليس [المجتمعيُّ] ضرباً من ضروب تجميع الأفراد بوصفهم أفراداً؛ بل هو عنفُ الحدِّ في [الـ-ـلا-تكون-ذاتَ-نفسكِ- العميقة]. لذا يكون الفرد مجتمعيَّاً بقدر اِستلابه- أي خروجه عن كونه ذاتاً تريد [أن- تكون] وفقاً للتجربة المُعاشة، فكريَّاً- ومجتمعيَّاً (بالممارسة). إنَّ المجتمع يريد من الفرد [أن- يوجد] وفقاً لجملة [القبليِّ]، في الوقت الذي يريد الفرد، في المجتمع، [أن- يكون] وفقاً لجملةِ [البَعْديِّ].
[III]
ماذا يتضمَّنُ ذلك من ضروب إمكان تتعلَّق بـ[أن- يأتي- الفردُ- إلى- الوجود- المجتمعيِّ]؟ وكيف تُرسم تلك الحدود التي منها تبدأ الفردانية، وعندها تنتهي؟ إنَّها ضروب إمكان تأتي إلى مستوى التَّساؤل- والفهم- التَّفكير اِنطلاقاً من إشكالات Problems، وإشكاليَّات Problematic-s، هي تفتح أفق الفهم نحو الذَّات بوصفها قد صارت، أو قد تتوفَّر على إمكان [أن- تصير] ذاتَ نفسِها العميقة. وحينما أشير إلى ذلك، فإنني أذهب مباشرةً إلى جملة الإمكانات المجتمعيَّة المتوفرة للذات، والتي تتعلَّق بفتح المجال نحو [أن- تكون- الذَّات- بوصفها- فرداً]، لا مجتمعاً.
[IV]
إنَّ الذَّات، في معناها الأكثر جذريَّة، لهي تقوم على التعارض- وفي أغلب الأحايين- على التناقض الأصليِّ في علاقتها بتحديدات المؤسسة المجتمعيَّة؛ تلك التي تستمد مشروعيَّتها، وشرعيَّة ممارسة التحديد، من الثقافة المجتمعيَّة، والدين. إنَّ الثورة في الفهم، والوعي، والحال هذي، بوصفها تنتج عن أخذ الذَّات إلى ذاتِ نفسها، لا إلى [المجتمعيِّ]، تنتج عن الاِنتقال من اِستهلاك المجتمع بواسطة أدوارٍ مجتمعيَّةٍ تحدِّدُها مراكزُ القوَّة- السلطة المجتمعيَّة، إلى إنتاج المجتمع، وإعادة إنتاجه، اِنطلاقاً من الذَّات الفاعلة التي تنتزع وجودَها، وتعارضُ تلك التحديدات القَبْليَّة لها.
[V]
ولكن، على أي نحو يمكن بناء الذَّات الفاعلة مجتمعيَّاً؟ وفي أيَّة معانٍ هي ترتبط بمفهوم الديموقراطية، بوصفه ممارسةً مجتمعيَّة؟
إنَّ التناقض الأصليّ بين الحَدِّ المجتمعيّ، وإمكانات الذَّات في أن تكون فرداً، يتجلَّى في أعمق صوره في توفير الديموقراطية بوصفها تعدُّداً، واِختلافاً، وتنوُّعاً، للذات، تلك الإمكانات في ألاَّ تُصبح نسخةً- صورةً عن [النموذج- المثال Ideal-Type] الذي كان قد حُدِّدَ قبليَّاً. وإنَّ ذلك لا يكون إلاَّ بإعادة فهم الديموقراطية من جهة كونها سلطةَ تحديدَ الاِختلاف. فما هي محطات إعادة تفكيك الديموقراطية اِنطلاقاً من كون الذَّات متوفِّرَةً على ألاَّ تكون مجتمعيَّةً؟
I- لا تُختزل الديموقراطية، في المجتمعات التي لم تنتقل إلى [العالَميَّة]، في حكم الأكثرية، وسيطرتها (وضع اليد) على ممارسة السلطة.
II- تَنتُج عن الديموقراطية في المجتمعات التي تتميز بنسب أمية عالية، ونسب بطالة عالية، وغياب الإنتاج، وفوضى السلاح، جملةُ إمكانات مجتمعيَّة تحدُّ من، وفي أغلب الأحايين، تقضي على، ضروب إمكان الاِختلاف.
III- حكم الجهلة، واِختزال المجتمع في التابعين- المُطيعين- السَّماعين لما يقوله “المُنقذ”، تُصبِح نتيجةً بديهية لذلك.
IV- لا تلتقي الديموقراطية مع ضروب الفرض، الناتجة عن تحديدات الدِّين، أو السلاح، والتي (أي هذي الضروب) تستمد قوتها من اِنتشار الجهل في المجتمع، وضرورة المحافظة عليه من قِبَلِ رجال سلطة التحديد. إنَّ الديموقراطية تتضمَّنُ توفُّر إمكان الرفض [في- كُلِّ- مَرَّةٍ]، أو لا تكون.