مشاريع بغداد المتلكئة بين غياب الخطط والبيروقراطية الإدارية

العراق 2020/02/11
...

الصباح/ هدى العزاوي
منذ العام 2003 وحتى الآن، أعلنت مئات المشاريع الخدمية والعمرانية في بغداد، إلا أن أكثرها لم يكنَ عملياً سوى "حبر على ورق"، إذ حالت الأوضاع الأمنية والسياسية غير المستقرة التي رافقت السنوات الماضية من دون إنجاز العديد منها، ومع ذلك لم يكن السبب الوحيد الذي أدى إلى تلكؤ المشاريع أو عدم إنجازها، حيث يرى نواب ومسؤولون في الاستثمار وأمانة بغداد تحدثوا لـ "الصباح"، أن البيروقراطية الإدارية وغياب الخطط الصحيحة وعدم تشريع القوانين المرنة الجاذبة للاستثمار، إضافة إلى الفساد المالي والإداري، كل ذلك أدى الى تردي الواقع الخدمي والعمراني وظهور عشرات المشاريع المتلكئة في العاصمة.
مقرر اللجنة المالية النيابية الدكتور أحمد الصفار أشار في تصريح خاص لـ "الصباح"، الى ان "تلكؤ المشاريع الخدمية وتأخر إنجازها مرتبط بالوضع السياسي والاستقرار الأمني الذي يمر به العراق، خاصة في ظل غياب إقرار الموازنة المرتبط بتشكيل الحكومة -التي نأمل تشكيلها عند انتهاء الفصل التشريعي - والبحث في مشروع الموازنة التي تم إعدادها من قبل حكومة تصريف الأعمال أو إجراء تعديلات عليها".
ويرى الصفار، أن "على الحكومة المشكّلة إقرار موازنة طوارئ (استثنائية) تخصص أموالها للخدمات والمشاريع الآنية، والتي تلبي طموح الكثير من الشباب المتظاهر واستقطاب عدد كبير من الأيدي العاملة لتقليل البطالة، وتشكيل لجنة متخصصة لوضع خطة ستراتيجية لإخراج البلد من هذه الأزمة التي أثرت وبشكل سلبي في بيئة العراق التي أصبحت غير آمنة لجذب المستثمرين بسبب الوضع السياسي الراهن وغياب تشكيل الحكومة".
ولاعادة العراق الى الواجهة الاستثمارية والى النشاط الاقتصادي، يرى الصفار خلال حديثه لـ "الصباح"، أن "على الحكومة إعادة بناء الثقة وتأهيل البيئة الصالحة للاستثمار من خلال استتباب الاستقرار الأمني والسياسي في المنطقة".
وأوضح، إنه "الى الآن لا توجد جهة تمتلك الصلاحية لصرف الأموال؛ لذا تم تعديل قانون الإدارة المالية بشكل استثنائي والذي ينص على (استرجاع الأموال المخصصة للمشاريع لعام 2019 الى الخزينة العامة في حالة انتهاء السنة وعدم انفاقها) لذا كان هناك تعديل بالاستمرار في صرف الأموال للمشاريع المخصصة لعام 2020 وتحريك عجلة الاقتصاد العراقي والتقليل من المشكلات الناجمة عن تأخر إقرار الموازنة".
 
خطة ستراتيجية
من جانبه، أكد رئيس لجنة الخدمات النيابية الدكتور وليد السهلاني في تصريح خاص لـ "الصباح"، أن "جميع الدول تتقدم بالتنمية الاقتصادية والبنى التحتية للخدمات من خلال الاستثمار ووجود نافذة فيها التسهيلات اللازمة للمستثمر واستقطاب رؤوس الأموال والمحافظة على رؤوس الأموال المحلية، وهناك عشرات ملايين الدولارات مستثمرة في الخارج من قبل رجال الأعمال العراقيين لربما تتعلق بالبيئة التي لا تلبي الطموح".
وبالنسبة الى الخدمات في العراق يؤكد السهلاني، أن "هناك خطة ستراتيجية وضعت لقطاع الخدمات تحتاج الى دعم الدولة، ووضع آلية صحيحة للقطاع الخاص وتهيئة بيئة قادرة على تشجيعه ومساندته من خلال تسهيل الاجراءات والتخلص من البيروقراطية المقيتة التي تضيق الخناق على القطاع الخاص".
ويشير السهلاني الى أن "الحكومة العراقية اتخذت نقلة نوعية بالخدمات في مذكرة التفاهم العراقية الصينية بإيجاد صندوق عراقي صيني يقوم بدعم المشاريع الستراتيجية والمشاريع الخدمية المتعلقة بالطرق وسكك الحديد وكذلك المدارس وإنشاء مجمعات السكنية بأكثر من ثلاثة ملايين وحدة سكنية، تأتي تباعاً من خلال مذكرة التفاهم التي وضعت وفق آلية استقطاع مبلغ 100 الف برميل يومياً تدفعها الحكومة العراقية إلى الصندوق العراقي الصيني، ونسبة أخرى تدفع من قبل الحكومة الصينية لغرض تنشيط القطاع الاقتصادي وفتح قناة التواصل التجارية بين العراق والدول الأوروبية، فالعراق كمنطقة ستراتيجية حتى على مستوى الملاحة الجوية له أولوية كبرى كونه بوابة الارتباط بين آسيا وأوروبا".
ونوه، بأنه "بسبب التحديات الاستثنائية التي مر بها العراق خلال الأشهر الماضية؛ فضلاً عن تعديل عدة فقرات لأمانة بغداد وعدم وجود الصلاحيات، أثر وبشكل سلبي في هذا المفصل الحيوي والمهم في تحريك عجلة تقدم المشاريع والخدمات"، لافتا الى أن "المشاريع المهمة التي تم التسليط الضوء عليها وبإجراءات فنية عالية من قبل الشركة الكورية تم افتتاح (نفق خور الزبير) الذي يربط ميناء الفاو بمساحات واسعة وكبيرة والذي يعد بوابة ونافذة اقتصادية واسعة -ليست فقط على المستوى التجاري والنقل- وإنما على مستوى إيجاد فرص عمل وتحريك البنية الاقتصادية للبلد وبشكل سليم وصحيح".
ويشير السهلاني الى أن "من المشاريع المهمة التي طالبت بها لجنة الخدمات والاعمار النيابية إنشاء (مطار بغداد الدولي الجديد) وذلك كون مطار بغداد الحالي انتهى عمره الافتراضي وعملية الترميم والتأهيل تستغرق وقتاً طويلاً، لذا يمكن انشاء مطار بغداد الدولي الجديد لاستيعاب عدد المسافرين البالغ من 7 الى 10 ملايين مسافر، وبالتالي سيشكل نقلة نوعية على مستوى الاقتصاد".
ويطالب السهلاني، "هيئة الاستثمار الوطني والامانة العامة لمجلس الوزراء والجهات الرقابية للاستثمار، ولجنة الخدمات النيابية والاعمار، بتسليط الضوء على أن الاستثمار في بغداد ينقلها نقلة نوعية من خلال استثمار الاراضي الموجودة في مركز العاصمة، خاصة استغلال مطار المثنى لانشاء أبراج تجارية لاستقطاب الشركات العالمية، وأيضا معسكر الرشيد والكثير من الأراضي التي يمكن أن تنهض بالواقع الاقتصادي والاستثماري والعمراني إذا ما تم استغلالها بشكل صحيح  والتخلص من البيروقراطية الإدارية لاستقطاب المستثمرين وتحريك المستوى الاقتصادي للبلد".
عضو لجنة الاستثمار والاقتصاد النيابية، الدكتورة ندى شاكر جودت، أكدت في تصريح خاص لـ "الصباح"، أن "العراق يحتاج الى إرادة وطنية حقيقية للتخلص من البيروقراطية الادارية الخانقة التي كانت أحد أسباب عزوف الشركات الاستثمارية العالمية للاستثمار فيه، لذا نحن بحاجة الى استقطاب شركات خاصة بالتخطيط الصحيح للبنى التحتية التي تعاني من تراجع كبير جداً بسبب غياب التحقيق والتقصي عن المشاريع التي تم خصصت لها موارد مالية كبيرة ولم يتم انشاؤها أصلاً على أرض الواقع".
وأضافت، "نحن بحاجة الى نظام مؤسساتي صحيح للقضاء على الفساد، والابتعاد عن الانظمة القديمة في عرقلة عجلة التقدم الاستثماري، وتسهيل الاجراءات التي يحتاجها المستثمر لخلق بيئة صالحة للاستثمار".
 
واقع العاصمة
من جانبه، أشار المدير العام للاعلام والعلاقات العامة حكيم عبد الزهرة في حديث لـ "الصباح"، إلى أن "أمانة بغداد وضعت منذ عام 2003، خططاً ستراتيجية للبنى التحتية المتعلقة بالماء والمجاري والطرق والانفاق، وقد تم تحقيق نسبة كبيرة من شبكات المياه في بغداد وتجديدها بنسبة 85 بالمئة، وأمانة بغداد مستمرة منذ ذلك الوقت في استكمال جميع مناطق بغداد، كما أن هناك سبعة خطوط ستراتيجية للمجاري تم استكمال بعضها والبعض الآخر في المراحل الأخيرة للانتهاء".
وفي ما يتعلق بالأنفاق والمجسرات؛ بين عبد الزهرة، أن "خطة امانة بغداد كانت تصل الى إنشاء 24 مجسراً ونفقاً، أما التوقف بعد 2014، فكان بسبب التخصيصات المادية التي حالت دون استكمال 13 منها".
وبين، "لقد تم في العام 2019 إكساء ما يقارب 50 محلة في بغداد، وهذه نسبة جيدة بالنسبة للسنوات الماضية التي خلت من أي إنجاز بسبب التخصيصات المالية، اضافة الى عدد من الطرق التي تم تأهيلها وفق خطة ودراسة ستراتيجية والتي تم توزيعها ضمن 15 بلدية في بغداد"، مختتما حديثه لـ "الصباح"، بأن "هناك خطة لإكساء 123 محلة ضمن خطة 2020/ 2021 ".
 
قوانين واستثمار
رئيس هيئة الاستثمار في بغداد المهندس شاكر الزاملي كشف لـ "الصباح"، عن "وجود 200 مشروع، يشمل بناء المجمعات السكنية في أطراف مدينة بغداد والقطاع الصناعي والبيئي المتعلق بمعالجة المخلفات الطبية، اضافة الى ما يخص القطاع الصحي الذي يشمل فتح مراكز ومستوصفات صحية واستثمار مستشفى كبير، وهذه المشاريع سيتم انجازها وفق الجدول الزمني المخصص لها".
ونوه الزاملي، بان "من المشكلات التي يعاني منها الاستثمار في العراق، عدم الالتزام بالقانون الخاص بالاستثمار رقم 30 والمتعلق بتخطيط الاراضي وتسهيل الاجراءات لاستثمارها للمشاريع المخصصة للقطاعات، فهناك إجراءات معقدة تؤدي الى عزوف الاستثمار في العراق، نتيجة عدم تسهيل تخصيص الاراضي من قبل القطاعات المعنية، وامتناع بعضهم عن اعطاء الأراضي، وعرقلة الاجراءات حتى بعد اعطاء الموافقات، وهناك عراقيل لا تقل عن العراقيل المذكورة ما يؤدي الى تأخر هذه المشاريع".
وأشار، إلى أن "كل ما نحتاجه؛ هو تطبيق القانون وبشكل دقيق، والالتزام من قبل الدوائر المعنية والقطاعات ذات العلاقة للوصول الى نتيجة يمكن استقطاب الشركات العالمية من خلالها".