الفضائيات ... بين الهدم والبناء

آراء 2020/02/15
...

نجم بحري
 
لقد حاول الإنسان في مختلف العصور الوقوف على المجهول مخترعاً أساليب وطرقا مختلفة للغور في عمق الحياة التي شكلت أمامه عائقا في الوصول إلى المجهول. وفي هذا الطريق الشاقّ أنفق من عمره عقودا طويلة للوصول إلى هذه المرحلة المتقدمة من التطور الحضاري والإبداع التقني. وأخيرا وليس آخرا اخترع (الكومبيوتر والإنترنت) ليجعل العالم بأسره في قبضة يده، وليعتبر العالم الواسع (قرية صغيرة) ليقرب كل بعيد، وليقف الإنسان من منزله على آخر التطورات والأحداث في الحياة الإنسانية وليسهم ويتفاعل مع هذا الوجود العلمي الجديد. أمّا الفضائيات فقد شكلت أحد روافد هذا التطور الإنساني التقدمي العظيم، فمن خلالها، وبشكل بسيط جدا، يتمكن الإنسان من الوقوف على الحياة اليومية لكل جزء من هذا العالم الواسع، ويدخل إلى عالم الثقافة والمعرفة والتطور، من هذا الباب البسيط الذي صار تحت يد كل فرد، وهذا من إيجابيات العلم والتكنولوجيا الخارقة. ولكن، في الوجه الآخر، تسللت إلى بيوتنا وعوائلنا (ثقافات أمم تمردت على أعرافها وأخلاقها الاجتماعية والثقافية) واتخذت الحرية المباحة وسيلة لتحطيم البنية الأخلاقية لبعض المجتمعات المحافظة على قيمها الاجتماعية والدينية
 والتربوية.
إن الخطورة من الفضائيات تكمن في التخوف من أن تتحول هذه الأجهزة إلى وسائل للانحراف التربوي والاجتماعي لأنها تدسّ السّمّ الزعاف في العسل، وتظهر كل ما هو منحرف مشين فاسد وسيّئ بقالب حضاري. فالحالة هذه تتطلب ثقافة اجتماعية عالية لغرض الوقوف بوجه هذه الانحرافات الرخيصة لمواجهة تفتيت عوامل الأخلاق والمعايير السليمة للمجتمع، أو تجعل من هذه الوسائل المرئية (الفضائيات) عوامل إيجابية تساعدنا على اجتياز هذه المرحلة الخطيرة الصعبة التي يمرّ بها شعبنا النبيل، وأن تتجنب كل ما يسيء للعلم والمعرفة والتقدم حتى باتت ضرورة وطنية كبيرة لا بد للجهات الرسمية، ومنها أجهزة الإعلام المحلية الملتزمة بالقيم الخلاقة، سعيها الدؤوب والجاد لإنقاذنا منها والتصدي للعناصر المنحرفة عن القوانين والأنظمة.