اتصال من هولندا!

الصفحة الاخيرة 2020/02/15
...

 جواد علي كسّار
 
أفرحني اتصالهُ حينَ ذكرَ أنه يُهاتفني من هولندا، يريد الكتابة لـ«الصباح» بيد أن هذه الفرحة سرعان ما تبدّدت حين حدّد محور الكتابة، فالموضوع الذي اقترح الكتابة عنه مفرط بالمحلية، ومهما كان شأنه فأقلام العراقيين في الداخل قادرة على تناوله من مختلف أبعاده، وتغطيته بحيثياته كافة.
اقترحتُ عليه أن ينصرف بدلاً من ذلك؛ للكتابة لنا عن هولندا حيث يعيش، مركزاً على بُعدين في التجربة الهولندية، أحدهما اقتصادي والآخر معرفي. فالناتج المحلي الإجمالي يزيد اليوم في هولندا على (825) مليار دولار،وتشهد فائضاً في الميزانية يزيد على (12) مليار، ونموا متواصلا في الاقتصاد مقارنة حتى بالاقتصاد الألماني، بإزاء انكماش في الاقتصاد البريطاني والفرنسي، وغالب الاقتصاديات
الأوروبية.
متوسط الدخل الفردي يكاد يصل إلى (50) ألف دولار سنوياً، مع ضمان صحي إلزامي، حقّقت فيه أعلى نسبة رعاية صحية لمواطنيها في العالم، بما يصل إلى (898) نقطة من أصل (1000) نقطة على هذا المؤشر، إلى جواره انخفاض في نسبة البطالة، اذ هناك مليون عرض لفرص عمل، لا يوجد من يشغلها، ما أثار غيرة بقية الأوروبيين إزاء الازدهار المطّرد للوضع الاقتصادي
ي هولندا!
على رغم ثراء هذه المعطيات وغيرها كثير، ألفتُ نظر صديقي العراقي، الى أن ما يذهلني في الاقتصاد الهولندي ليست هذه الأرقام على أهميتها، بل ما يرتبط بتجربة هذا البلد في انتاج الزهور والمحاصيل الزراعية. أذكر للآن أنني كتبتُ عموداً في منتصف التسعينيات عن هولندا، حينما صدمني أنها صدّرت يومذاك أكثر من (6) مليارات من الزهور والنباتات، وهو ما كان يعادل وقتذاك حوالي نصف صادرات بلد كبير مثل إيران، من 
النفط!
هولندا بلد صغير بالمساحة ترتيبها (134) عالمياً، تشتهر بالأراضي المنخفضة إذ يسكن حوالي نصف نفوسها، تحت مستوى سطح البحر، والنصف الآخر في أقلّ من متر واحد فوق مستوى البحر، مع ذلك فهي ثاني أكبر مصدر للزهور والغذائيات بعد أمريكا، وعاشر دولة في العالم بنسبة الدخل الفردي، تصدّر سنوياً أكثر من (100) مليار دولار من قطاع الزراعة وحده، أي ما يعادل ضعف قيمة صادرات العراق من النفط سنوياً، مضافاً إلى (10) مليارات أسمدة ومنتجات حماية النباتات، مع أنها لا توظف للزراعة إلا 
28 % من مساحة البلاد الكلية، وأقلّ من 3 % من مجموع القوى
 العاملة!
لم تنته قصة النجاح الاقتصادي لهذا البلد عند هذه التخوم، بل من فصولها الأُخر دخول (11) مليون سائح لهولندا سنوياً، بعائدات تصل إلى (17) مليار دولار، وهي تتعاضد مع بقية الصادرات، ليبلغ مجموعها السنوي (460) مليار دولار، كلّ ذلك لعدد من السكان لا يكاد يزيد على (18) مليون نسمة فقط!
قلتُ لصاحبي وهو أكاديمي مرموق؛ أرجوك أن تكتب لنا، بيسر لكن بعمق وإحاطة، لماذا تقدّ م بلد ممكن أن يغطس مع أول تغيّر مناخي في البحر، وتأخرنا نحن في العراق والعالم العربي؟
أما الجانب المعرفي فسأدعه إلى فرصة مستأنفة بإذن الله العزيز!