اللهجات بين العامي والفصيح

ثقافة شعبية 2020/02/15
...

عبد الكناني
 
تقول الدكتورة زينب عبد المهدي في محاضرتها الموسومة - اللهجات العربية في التراث - التي القتها في الدورة التي نظمها مركز احياء التراث العلمي العربي بجامعة بغداد تحت عنوان 
((  اللهجات العامية ذات الاصول الفصيحة)) : إن دراسة اللهجات هو مبحث من مباحث علم اللغة العام ‏وهي الخطوة الاولى التي تسبق غيرها، اذ ان دراسة لغة دراسة تأريخية لاتتم الابعد الانتهاء ‏من بحث لهجاتها ومع هذا لم تحظ بعناية الدارسين لجفافها الذي يلد الذهن، 
 ويجهد العقل،  لما ‏لها من صلة بالتراث العربي القديم وحتى في هذا التراث العربي لم يكن الحديث فيه عن ‏اللهجات مقصودا لذاته وانما كان وسيلة يلتمس لغيره من الغايات.
ولهذا كان من الاسباب ‏التي دفعت الدكتورة زينب عبد المهدي الى اختيار تلك المشكلة لان أرضها  كما جاء في محاضرتها  مازالت بكرا لم تجهد ولم تصل اليه اقلام ‏الباحثين مع أن جزءا كبيرا من رصيدنا اللغوي يكمن وراء دراسة لهجات القبائل العربية ‏لما لها من اتصال وثيق بعلوم القرآن وقراءته ولهجاته الحديثة في جميع البلاد 
العربية.
 
‏تغيرات النطق 
وكانت محاضرة الدكتور غانم عودة شرهان التدريسي في مركز احياء التراث العلمي العربي / جامعة بغداد ‏قسم العلوم  بعنوان ((كلمات نظنّها عامية وهي في قلب اللغة العربية الفصحى)) ، التي تناول فيها دور النطق العامي الدارج للألفاظ العربية ، بما يكثر فيها من ابتعاد ‏عن الاعراب والنحو واصول اللغة ولأسباب شتى أدت الى غلبة النطق العامي الدارج إلى    ‏‏"عامّي" هو الآخر، بأن ما نستخدمه من كلمات في حياتنا المعاصرة، ليس من الفصحى، في شيء .
‏‎وأن الألفاظ الدارجة في العالم العربي هي في غالبيتها العظمى عربية وجميعها متّصلٌ بشكل أو ‏بآخر بأصله النحوي أو الفصيح، إنما مرّت عليه تغيّرات اللسان واختلاف الزمان والاختلاط والتطور ‏الحضاري، فتغيّر صرفه ولفظه  إلا أنه بقي في النهاية، عربياً، ولغة للعرب يُتخاطَب بها‎.‎‏ لكن ‏اللسان العربي الآن ينطق بألفاظ ،كثيرة فصحى، ضمن كمية كبيرة من ألفاظ عامية، اعتقِد، لوهلة، أنها ‏عامية مثلها. بينما، وبالعودة إلى كتب اللغة والقواميس، يظهر أنها فصيحة تماماً، ويتم التواصل اللغوي، ‏من خلالها، كما لو أن قائليها يتحدثون الفصحى  تماماً.
 
 ‎السبطانة
واخترنا من ضمن قائمة طويلة كلمتين دارجتين ‏تجريان على اللسان العربي اعتقِد، خطأً، أنهما عاميتان، فيما تثبت الكتب القديمة أنهما من اللغة ‏الفصحى، ولم يتأثر بناؤهما الأصلي، بأي تغيّر، وتستخدم الآن، تماماً، 
‏ والكلمة الاولى هي (السَّبطانة: الأنبوب الممتد من البندقية ) وتستخدم كلمة السبطانة، ‏في لبنان وسوريا والأردن وفلسطين، بصفة خاصة. وبسبب إيقاع الكلمة وغرابتها اللفظية، لم يكن يعرف ‏البعض، أنها كلمة عربية فصيحة وجاء في القاموس المحيط، للفيروز آبادي، أن السّبط نقيض الجعد. ورجُلٌ ‏سبط اليدين: سخيّ. أمّا سبط الجسم فهو: حسن القدّ. وكذلك: أسبط: غمَّضَ. والرجل السبط: الطويل. ثم ‏لينتهي بعد تفسير الكلمة، بوجوهها المختلفة والتي تتقارب مع معناها الأصلي، ليعطي معنى السبطانة ‏الآن. فيقول: والسبطانةُ قناةٌ جوفاء يُرمَى بها الطير   وكان أقدم معاجم العربية، وهو ما يعرف بكتاب ‏‏"العين" للفراهيدي، قد سبق وأشار إلى أن السبطانة "قناة جوفاء يرمى بها الطير". إلا أن الفراهيدي ‏يضيف تفصيلاً غاية في الأهمية فيقول: "وقيل يُرمى فيها بسهام صغارٍ يُنفَخ فيها نفخاً، فلا تكاد 
تخطئ". 
‏أي أنها اكتسبت صفة السلاح، وما يشتمله على صفة المقذوف، الآن، وكان سهاماً، في السابق. مما يعطي ‏للسبطانة، بمعناها الحالي، ذات المعنى الحرْفي الذي عرّفها به أقدم قواميس اللغة العربية، وسواه بطبيعة ‏الحال. 
مفردة اخرى
وبين  ان الكلمة الاخرى هي شالَ السائلُ يديه : رفعهما يسأل بهما ، ولعل من أكثر المفردات التي تجري ‏على اللسان العربي الآن، كلمة "شالَ" بمعنى الحمل والرفع. وتلفظ: "شال على كتفه" و"شال الكتب" والأم ‏‏"شالت" طفلها، وتشيل وأشيل وشلتُ وشالوا. وهي من المفردات العربية الفصحى، والتي يستعملها ‏العرب، الآن، بحسب مدلولها الحرْفي المعجمي. وجاء في "لسان العرب" أن الناقة "شالت بذنبها إذا ‏رفعتْه. وأيضاً: فتشول ذنبها أي ترفعه. 
وكذلك: أن يُشال الحجر باليد، وإشالة الحجر ورفعه لإظهار القوة، ‏وشال الميزانُ: ارتفعت إحدى كفّتيه، وأشال الحجر وشال به: 
رفعه‎.
أمّا "العين" أقدم قواميس العربية، فهو ‏يقطع بتعريف للكلمة، فيقول: "كل شيء مرتفعٌ فهو شائلٌ". ويستخدمها معطياً معنى الحمل والرفع: ‏‏"خشبةٌ تُشال بها الأحمال". أي ترفَع‏‎.‎‏ ولعل كلمة "الشال" التي تستخدم الآن، وهي رداء للنساء يوضع على ‏الكتفين، مشتقة من شال، بقصد الرفع والمكان المرفوع. خصوصاً أن الفراهيدي قطع بأن كل ما هو ‏مرتفعٌ فهو "شائلٌ "