سجالات سياسية بين القوى اللبنانية في ذكرى اغتيال رفيق الحريري

الرياضة 2020/02/15
...

بيروت/جبار عودة الخطاط 
 
أحيا اللبنانيون  الذكرى 15 لاغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في ظرفٍ بالغِ التعقيد يمر به لبنان على الصعد السياسية والاقتصادية وأقيم احتفال بالمناسبة في بيت الوسط ببيروت، خلافاً لما جرت عليه العادة في السنوات السابقة بإقامة الاحتفال في وسط بيروت عند ضريح الراحل، كما أن هذا الاحتفال شهد مؤشراً فارقاً آخر تمثل بعدم دعوة التيار الوطني الحر، الذي يتزعمه الرئيس اللبناني ميشال عون بعد أن وصل الخلاف بين المستقبل والتيار العوني الى حد القطيعة والحروب الكلاميَّة العنيفة، فضلاً عن دخول بهاء  النجل الاكبر للراحل رفيق الحريري معترك البيانات السياسية في خطوة لافتة. 
 

التعامل مع رئيسين! 
وألقى رئيس الحكومة اللبنانية السابق وزعيم تيار المستقبل سعد الحريري كلمة في المناسبة شن فيها هجوماً عنيفاً على رئيس التيار الوطني الحر ووزير الخارجية السابق جبران باسيل، واصفاً اياه بصاحب حروب الإقصاء لمختلف الفرقاء السياسيين والرئيس الثاني أو “رئيس الظل” في لبنان.. وأكد الحريري أن اغتيال الرئيس رفيق الحريري كان منعطفاً تاريخياً في حياة لبنان “وبعد 15 عاما.. لبنان اليوم أمام منعطف جديد”.
وبخصوص التسوية التي لفظت أنفاسها الأخيرة بينه وبين الرئيس عون أشار الحريري، الى أنه حاول تأمين استقرار العلاقة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، اولاً لأن الاستقرار “بيستاهل صبر وطول البال”، “وثانياً لأن الخلاف بين الرئاسات نتيجته الوحيدة شل المؤسسات” .
لكنه أردف :” تعاملت مع رئيسين واضطررت أن أتعامل مع رئيس الظل (في إشارة لجبران باسيل) لأحمي الاستقرار مع الرئيس الأصلي”.
مضيفاً “كنت أرى التغيير في المشهد السوري وغرق لبنان بمشكلات أمنية ومذهبية في الضاحية والبقاع وطرابلس، ما جعلني أرى في التسوية حماية للبنان، والسبيل الممكن لوقف الدوران بالفراغ الرئاسي، وقبل التسوية حاولت فتح الطريق للصديق سليمان فرنجية للرئاسة، لكن حلفاءه منعوه وأعلن ان التسوية انتهت”.
 
حروب الإلغاء
وشدد سعد الحريري على أن رفيق الحريري جلب الكهرباء 24/24 ، وحقق الإنجازات والإعمار، لافتاً الى أن وزارة الطاقة لم يتسلمها يوماً وزير محسوب على الحريري أو المستقبل، عازياً التعثر في قطاع الكهرباء الى جبران باسيل من دون أن يسميه والى التيار الوطني الحر، وعن أسباب التعثر في إنجاز مهام حكومته المستقيلة، قال: “بقي التعطيل ستة أشهر لأنه كان هناك من يريد حجب الوزارة عن القوات وجنبلاط” واصفاً التعطيل بأنه “حروب إلغاء”، وقال: “(فشرتوا)  تلغوا المستقبل والحريرية”.وأكد أن “التحرك الشعبي صار شريكاً في القرار السياسي” متهماً باسيل بعدم الالتزام ببنود اتفاق معراب الذي أبرمه العونيون مع القوات اللبنانية التي يتزعمها سمير جعجع. 
وأكد الحريري أنه مع خيار الانتخابات المبكرة ، داعياً الجميع للتفكير بهدوء ومن دون مزايدات “فالبلد لا تنقصه مزايدات بل ينقصه هدوء وحوار” ولوحظ خلو خطاب الحريري من أي نبرة تصعيدية تجاه حزب الله غريمه التقليدي سوى إشارته التي قال فيها إن” مصاري ايران الكاش بتحل مشكلة حزب وما بتحل مشكلة بلد”  وعن الوضع الداخلي للتيار الأزرق ، أكد الحريري أنه سيعمد الى اعادة هيكلة تيار المستقبل والمؤتمر العام الذي سيعقد في غضون أشهر سيمهد الطريق لوجوه جديدة تكون شريكاً فاعلاً في صياغة القرار. 
 
باسيل يرد الكرة
الوزير السابق جبران باسيل تلقف كرة الهجوم التي صوبها نحوه الحريري وبادر مغرّداً  عبر حسابه على “تويتر” مخاطباً الرئيس سعد الحريري قائلاً: “شو ما انت عملت وقلت ما رح تقدر تطالني، وكيف ما انا كنت ما رح اقبل كون متلك... بتفرّقنا بعض القيم والمبادئ، بس رح يرجع يجمعنا التفاهم الوطني... رحت بعيد بس رح ترجع، الفرق انو طريق الرجعة رح تكون اطول واصعب عليك”
بينما توجه النائب نقولا صحناوي، إلى الرئيس سعد الحريري، في تغريدة عبر “تويتر” قال فيها: “عم تحرض المسيحيين على بعضن وتحكي عن اتفاق معراب؟، نحنا يلي ما قبلنا معك تطلع أول حكومة إلا ما ياخدوا القوات متل ما بدن، ونحنا يلي قبلنا إنو ياخدوا بثاني حكومة 4 بدل 3. يللي مش قادر تتحملو أنت انو معنا القصة انتقلت من وزير للقوات بالـ2005 لـ15 وزيرا مسيحيا على 15 بالـ2018”.
في خط متوازٍ عاد الهدوء إلى ​وسط بيروت​، بعدما شهدت ​ساحة الشهداء​ ​حالات​ كر وفر ومواجهات بين متظاهرين وبعض أنصار تيار “المستقبل” في أوقات سابقة، وعملت قوة من فوج التدخل في ​الجيش​ و​مكافحة الشغب​ في ​قوى الأمن الداخلي​، على الفصل بينهم.
 
بهاء الحريري
ما استرعى الانتباه في ذكرى إحياء اغتيال الحريري لهذا العام و التي جاءت بعد فترة من استقالة الحريري الابن هو البيان الذي صدر عن بهاء الحريري النجل الأكبر للراحل والمقيم في السعودية.. وهو البيان أو النشاط السياسي الاول له وربما يجيء في هذا الظرف منطوياً على دلالات ورسائل ملفتة، لاسيما إذا تذكرنا التسريبات التي خرجت قبل عامين والتي تشير الى احتمالية تولي بهاء دفة (الحريرية السياسية) بدلا من أخيه زعيم تيار المستقبل سعد الحريري وهو الأمر الذي بقي طي المعلومة الإعلامية ولم يتم تأكيده. 
شكر بهاء في بداية بيانه  “ كل من شارك في تحرك يوم الجمعة 14 شباط إلى ساحة الشهداء، مستذكراً والدي الشهيد وإنجازاته وتضحياته من أجل لبنان واللبنانيين”.
وأشار إلى “إ‎نني وأنا أشاهد ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في وطننا من شبه انهيار تام لمستويات الدخل الفردي و القوة الشرائية اللذين يؤمنّان أبسط مقوّمات العيش بكرامة، لا يمكنني إلّا أن أشاطر كلّا منكم ما يجول في داخلي من ازدراء وخيبة ممّن كان أجدى بهم أن يكونوا مؤتمنين على حرية وعافية المواطن الاقتصادية 
والاجتماعية والسياسية”.
منوهاً بأنني “لم أكن أتخيّل عشيّة اغتيال رفيق الحريري أنّنا خلال عقد و نيّف من الزمن سنصل إلى هذا الدرك من الاستهتار بشؤون الوطن و المواطن و الإسفاف في التعاطي”
 
الوقوع في المحظور
وأضاف بهاء الحريري “ لم أكن أبدي رأيي في الشؤون العامة وذلك حرصاً مني على عدم الدخول في سجالات لا تخدم الّا صائدي أخبار الثرثرة الرخيصة. أما اليوم و قد وقعنا في المحظور، فلا بدّ لي من التأكيد على أن ما كان يحصل بتدرّج بعد اغتيال والدي الشهيد، هو اغتيال بطيء لكلّ ما آمن به لوطنه وأهله و بسببه اغتيل. رجل الإعمار والتعليم الذي عمل بجد على إنهاء الحرب الأهلية و حمل في صلبه إلغاء الطائفية السياسيّة”.
ورأى أن “ما قام به و لا يزال شبابنا وشابّاتنا و أهلنا على مدى الأشهر الأربعة الماضية هو قمّة الرقي في إعطاء دروس لمن فقد معنى الصدق و الإخلاص و الأمانة في تولّي و تعاطي الشأن العام”.
ولفت إلى أننا “اليوم نشهد أيامًا وأسابيع وأشهرا أصعب وأخطر ممّا اختبرنا أو حتى قرأنا في تاريخنا، لكن بالمقابل نرى مواطنين صادقين عبروا فوق جدران الطوائف الوهمية و نبذوا المسافات الطبقية، صرخوا بحنجرة واحدة مطالبين برحيل منظومة الفساد و اسيادها و اعوانها. فليكن الإيمان بغد مشرق قريب”
 
جريمة كبرى
رئيس  الوزراء ​اللبناني حسان دياب​ بدوره أشاد، في بيان أصدره بذكرى اغتيال ​رفيق الحريري​ بالدور الإيجابي الذي نهض به الراحل، مشيراً  إلى أنّ “الذكرى الخامسة عشرة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري ورفاقه تأتي هذه السنة و​لبنان​ يمّر بمرحلة حسّاسة ويواجه تحدّيات خطيرة ماليًّا، اقتصاديًّا، 
اجتماعيًّا ومعيشيًّا”.
وركّز على أنّ “الحريري الّذي أطلق ورشة إعمار لبنان بعد الحرب، وأزال آثارها، نفتقد اليوم قوّة حضوره العربيّة والدوليّة من أجل إنقاذ لبنان من الأزمة الماليّة الحادّة المتراكمة”، مشدّدًا على أنّ “اغتيال الحريري شكّل اغتيالًا لأحلام اللبنانيين وجريمة كبرى بحقّ مستقبل لبنان الّذي أراده الحريري منارة في المنطقة والعالم”
أما رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع فغرد في ذكرى اغتيال  الحريري قائلاً: “14 شباط فاتحة ثورة الأرز وشهادة مؤلمة ولكن مدوّية من أجل لبنان السيّد الحر المستقل... نواصل المسيرة ثورةً مستمرّة من أجل لبنان أولاً وأخيراً”.
 
المساس باتفاق الطائف 
النائب السابق اللواء أنطوان سعد، من جهته علق في المناسبة قائلاً  “ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري، خالدة في نفوس الشرفاء والأوفياء لمسيرة الإعمار والعلم، التي انتهجها الحريري، منذ اتفاق الطائف، الذي أنهى مرحلة الحرب الأهلية، وأسس لصيغة لبنان العيش الواحد 
والتنوع والانفتاح”.
ورأى أن “ما تعيشه البلاد اليوم، خطير ودقيق، إن كان  على المستوى السياسي، أم على المستوى المالي والاقتصادي، من خلال ما نشهده من انهيار غير مسبوق، حتى في زمن الحرب، معتبرا أن “الخلاص هو باجتثاث مكامن السرقات والفساد، ومحاسبة الفاسدين، والتحضير لقانون انتخابي عصري وغير طائفي، وإجراء انتخابات نيابية مبكرة”.
وحذر من “المساس باتفاق الطائف” مؤكداً أن “الحملة التي تستهدف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، هي للاقتصاص من هذا الاتفاق، الذي كرس في ما بعد مصالحة الجبل، مع البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير، ومع معظم مكونات الجبل”.
 
فعاليات ووفود
هذا وشهد ضريح الراحل رفيق الحريري زيارات عدة من وفود وفعاليات رسمية ودينية وشعبية وسفراء معتمدين لدى بيروت لوضع أكاليل الزهور عليه وكان من جملة زائري القبر مفتي لبنان عبداللطيف دريان الذي وصل الضريح
على رأس وفد من المشايخ والقضاة،  لقراءة الفاتحة على روحه في الذكرى الخامسة عشرة لاغتياله وأكد دريان أن “وحدة اللبنانيين تقوم على تقدمهم وريادتهم ورسالتهم تجاه أنفسهم وعيشهم المشترك، وتجاه العرب والعالم”. 
مشيراً  الى أن “الرئيس الحريري كان في عمله وأمله على وعي تام أنه إنما يبني بشباب لبنان المتعلم والمثقف، مستقبل لبنان السيد الحر المستقل القوي والواحد”.
وشدد على أن : “ رفيق الحريري المعمِّر ورائد النهوض الوطني، وصاحب الرؤية المستقبلية. لكننا لا نتحدث كثيرا عن رفيق الحريري الإنسان، وقد كان- رحمه الله- مثلا رائعا في كرم النفس واليد، والود والوفاء والأخلاق تجاه الذين يقصدونه أو لا يقصدونه من أصحاب الحاجات. وليست هناك مؤسسة اجتماعية أو خيرية في لبنان، إلا وتعرف التزامه وتضامنه معها، وحرصه على أن يظل اللبنانيون روادا في العمل الخيري، وفي التنمية الإنسانية، وفي صنع الجديد والمتقدم 
في كل المجالات”.
يذكر أن الراحل رفيق الحريري  قد اغتيل في 14 شباط 2005،  مع 21 شخصاً آخرين بتفجير كمية كبيرة من مادة  إن تي أثناء مرور موكبه الرسمي بالقرب من فندق سان جورج في بيروت، وقتل معه الكثير من المرافقين واحد من اصدقائه، فضلاً عن وزير الاقتصاد اللبناني الاسبق باسل فليحان، وأنشئ له ضريح  في موقع قريب من جامع محمد الأمين وبعد ذلك تشكلت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، التي أثير حولها الكثير من اللغط والجدل القانوني ومدى تسييسها من قوى دولية لتوجه الاتهام ضد فريق محدد 
في لبنان وسوريا.