اتفاق الإطار المالي مع الصين وتأسيس شركة العراق القابضة
العراق
2020/02/15
+A
-A
عبدالحسين الهنين*
هل هي الدين، أم القومية، أم الطائفة، أم العدو الخارجي، أم الشعارات ؟..
في الحقيقة لم أتردد سابقاً، ولا الآن في أن أقول: لا الدين، ولا الطائفة، ولا كل هذه العوامل يمكن أن توحّد الشعب العراقي. ولا حتى التاريخ المُشترك الذي نؤمن به كموروث اجتماعي . المصالح المشتركة وحدها هي التي ستتمكن من بناء هذه الوحدة المنشودة , المصالح التي تتجسد في المال والشراكة والربحية الساعية الى الرفاه هي التي ستوحدنا.
أوروبا مثلاً لم توحدها الشعارات البرّاقة، إنما المصالح المشتركة هي التي مكّنت شعوبها من ان تلقي خلف ظهرها كل مآسي الحروب والخلافات، فشرعت بعد الحرب العالمية الثانية بإنشاء السوق الاوروبية المشتركة (EEC)، ذلك هو المشروع الاقتصادي والسياسي الذي نشأت فكرة تأسيسه في إِيطاليا في يونيو 1951، ثم كانت هناك (معاهدة روما) في 25 مارس1957.
التاريخ الذي يُعد اليوم الحقيقي لميلاد تلك السوق، ثم اتفاقية الشنكن((Schengen واتفاقية الاتحاد الاوروبي(EU)على إثر اتفاقية(ماسترخت)عام 1992 ، ثم إصدار العملة الأوروبية الموحّدة(اليورو).
ورافق ذلك مشاريع كبرى أهمها شبكة سكك الحديد والطرق التي تربط أرجاء اوروبا كلها، لتجعلك تتنقل من دون أن تشعر بأنك قد عبرت الحدود سوى تبدل شبكة هاتفك
النقال.
العراق، بلدنا الذي عصفت به الشعارات والطوائف والقوميات والزعامات التي نتجت كمخرجات للفساد بسبب غياب المصالح الاقتصادية المشتركة , هل يمكن أن نحوّله الى كتلة مستدامة من المصالح رغم ما يحمله من مركبات معقدة ؟.
وهل يمكن أن نقلد أوروبا المتعددة اللغات و المختلفة في القوميات والتقاليد؟ بعد ان نقتنع بأن المصالح الاقتصادية والمشاريع المشتركة كافية لوحدها بأن توحّد أبناء الشعب العراقي من دون الحاجة الى مؤتمرات المصالحة ودعوات السلم الأهلي؟.
إن الدول في العادة تتحرك خلال فترات الكساد أو الأزمات بأن تطلق مشاريع كبيرة تسهم في تحريك عملية التنمية و توفير فرص العمل، مثلما تسهم في انتشال البلاد من حالة البطالة الكاملة أو
المقنعة.
وكذلك لأجل تصنيع دورة جديدة للرساميل الكبيرة المتراكمة لدى الناس , و لن يكون اكتشافاً لو قلنا أن العراق بحاجة الى مشاريع كبرى تقابل حجم الخراب الذي خلفته حقبة تمتد لأكثر من 40 عاما من الحروب والحصار والاقتتال الطائفي , و من أجل تحريك عملية التنمية، ومواكبة العالم المتقدم لتكون بمثابة معالجة حقيقية لتشغيل الناس، و جمع عقولهم وقلوبهم على مصالح
مشتركة.
لقد كنتُ ومازلت مؤمناً بأن البدء بمشاريع ذات جدوى رابحة ومردود مالي مضمون (مثل ميناء الفاو، و القطار المعلّق، والطُرق الحلقية في بغداد، والطرق السريعة و القطار السريع، والمطارات والبتروكيمياويات والمصافي والمستشفيات والمدارس ، وغيرها من مشاريع البنى التحتية داخل وخارج المدن) يمكن ان تكون نماذج للحلول الجوهرية للخروج من نفق الأزمة الحالية.
هذه النماذج يمكن ان تصاغ عبر تجربة الاكتتاب العام الداخلي كتكملة للنموذج المالي الذي نعرفه بـ (النفط مقابل البناء) والذي تم الاتفاق عليه من خلال اتفاق الإطار المالي بين مؤسسة ضمان الصادرات الصينية (SINOSHORE) والعراق , ولأن هذا الاتفاق، هو وسيلة واقعية في ظرف غياب التمويل من الموازنة العامة ولعدم ثقة المستثمر الأجنبي في منطقة قلقة كالعراق.
فمثلا؛ ميناء الفاو الكبير، و بسبب صعوبة الحصول على تمويل خارجي جعلنا ننتظر اكثر من عشر سنوات من دون انجاز المشروع بشكل كامل بينما لو تم طرح المشروع للاكتتاب العام الداخلي على ان تسبقه مُقدمة ودعاية اعلامية مناسبة ، تشرح اسس وأهمية المشروع وتقديم بيانات اقتصادية دقيقة عن الارباح والفوائد المتوقعة منه، فانه من المنطق ان ذلك سيشجع الناس على
المساهمة.
وستكون الثروة المدّخرة لدى المواطنين والتي تقدر بأكثر من 30 مليار دولار مكتنزة خارج المصارف العراقية بحسب تقديرات و بيانات رسمية ستكون مصدر التمويل
المناسب.
وينطبق الامر على خط القطار السريع، و مشروع مترو بغداد، وطريق المرور السريع و مشاريع كبرى أخرى كالبتروكيمياويات وغيرها و و يمكن أن تكون الدولة شريكا ايضا بمساهمة بأموال مضمونة نتجت عن اتفاق الإطار المالي الأخير، أو إضافة أموال من خلال المصارف الحكومية التي تدّخر أموالاً تحتاج الى تشغيل واسع.
لدينا مثال واضح قد نجح في دول اخرى منها تركيا وهو مشروع القطار السريع الذي من المفترض أن يربط جميع محافظات العراق , ثم يربط العراق بأوروبا، مروراً بتركيا التي اطلقت نفس المشروع قبل سنوات قليلة ويمتد بطول 900 كم بين اسطنبول، و انقرة، و مدينة أسكيسير ومدن تركيا الاخرى.
إن الموضوع ليس حلماً صعب المنال حينما يتم تأسيس شركة مساهمة لمشروع القطار السريع باسم (وحدة العراق) ليمثل تزاوجاً للتكنولوجيا المتقدمة لشركات عالمية نجحت في الصين و تركيا وبقية دول العالم منها؛ أليستوم الفرنسية و سيمنس الألمانية وكاواساكي اليابانية وبقيادة شركات صينية رصينة اهمها شركة باورتشاينا التي يمكن لها ان تمول المشروع من خلال مؤسسة سايناشور اذ تقدر حاجة العراق بما يقارب 1800 كيلومتراً من خطوط سكك الحديد الجديدة وتحديث القديم منها وتقدر كلفة المشروع بنحو 14- 18مليار دولار أي بواقع 2.5 مليار لكل سنة إذا جرى التنفيذ خلال سبع سنوات.
وبواقع 3.5 مليار دولار سنوياً إذا جرى تنفيذه خلال خمس سنوات وهي أرقام متاحة ضمن الاتفاق الأخير مع الصين ومشاركة المجتمع العراقي عبر الاكتتاب الداخلي.
وذات الأمر ينطبق على بقية المشاريع العابرة للمحافظات ، مثلما هو طريق المرور السريع جنوب بغداد وشمالها وغيره من المشاريع التي تشكل نقلة نوعية في حياة
العراقيين .
إن هذه المشاريع سوف تغير طبيعة الحياة في العراق، اذ يمكن للدولة أن تسهم بربع قيمة المشروع بينما تطلق للجمهور المساهم ثلاثة ارباع الأسهم للإكتتاب العام، كي يُدار من قبل القطاع الخاص، ويبقى دور الدولة رقابياً واشرافياً، وبذلك نضمن وجود مصلحة مشتركة لجميع العراقيين في قضية تملّكهم للثروة، كما إننا سنسهم في صناعة دورة حقيقية لرأس المال، تنتج قيمة مُضافة، وتخلق وظائف بعيداً عن التعيينات التي ترهق الموازنة العامة فضلا عن موثوقية استرداد الأموال خلال فترة وجيزة ليتم تدويرها في مشاريع وخدمات أخرى .
ان مساهمة الدولة تعطي ثقة وضمانا للجمهور تدفعه الى أن يسهم ويضع امواله في تجربة جديدة.
وهي تجربة تحتاج الى ثقافة جديدة ايضا واعتماد نمط اقتصادي جديد يكون جزءاً من السلوك الاجتماعي للمجتمع العراقي وان الريادة في بناء المشاريع الكبرى و التركيز على اهداف كبيرة سوف يفكك العُقد و المتاهات التي مزقت الرأي العام , وبنفس الطريقة يمكن إطلاق مشاريع أخرى كشركات مساهمة بإدارة تنتمي الى العالم المتحضّر وبذهنية القطاع الخاص من خلال اسهم هذه المشاريع عبر شركة قابضة ( Shares Holding Company ) يمكن أن نطلق عليها إسم (شركة العراق القابضة) تمثّل مصالح الناس، ومصدراً لمنفعتهم في الوقت نفسه , وهي قطعا ستكون العامل ألأكبر في بناء الديمقراطية الناشئة واعادة الصياغة الرشيدة للنظام السياسي المشوّه حاليا اذ أن نظامنا الاقتصادي مازال منتمياً الى نمط الانظمة الشمولية المرتكزة على الريع، و النظر الى المواطنين باعتبارهم(رعايا)!.
لأنهم من الناحية العملية لا يسهمون في انتاج الدخل القومي للبلاد.
* مستشار رئيس الوزراء