لم يكن معروفاً في بادئ الأمر أيُّ الوسائل والستراتيجيات هي الأفضل لتحقيق التطور الاقتصادي في بلدٍ ما.
إذ إنَّ تلك الوسائل والستراتيجيات وضعت أغلبها في بادئ الأمر من قبل اقتصاديين غربيين عاشوا تجارب بلدانهم، وربما كانوا قد افترضوا في التطبيق توفر ظروف معينة موجودة في بلدانهم، ولكنها كانت مفقودة في البلدان النامية المراد تطبيق تلك الوسائل فيها.
ولهذا لوحظ نجاح وسيلة او ستراتيجيَّة معينة في بلدٍ نامٍ، ثم فشل الوسيلة ذاتها في بلدٍ نامٍ آخر نظراً لاختلاف ظروف البلدين.
الذي يهمنا في العمليَّة التنمويَّة هو التميز بالمرونة وعدم الجمود في اتجاهٍ واحد، بالتالي اتباع سياسات تثبتُ ملاءمتها من خلال (التجربة الميدانيَّة)، تؤثر وتتأثر بظروف البلد الخاصة، ومن خلال تجاربه السابقة ومقاييس المجتمع برمته، وتعدد مؤسساته وتوافر موارده المتاحة.
غير أنَّ السياسات التنمويَّة مهما اختلفت في الاتجاهات والأساليب، فإنَّ بينها جميعاً قاسماً مشتركاً واحداً، لا بدَّ من تنفيذه ألا وهو تكوين (رأس المال المتاح، والسيولة النقديَّة المخصصة في الموازنة، والعامل البشري)، إذ تعدُّ الحجر الأساس الذي تستند إليه عمليَّة التطور الاقتصادي في القطاعات الصناعي، والزراعي، والخدمي.
من الواضح إنَّ الدول النامية تفتقر الى تكوين السيولة النقديَّة المتاحة وهي بذلك بحاجة الى (استثمارات كبيرة ومتنوعة بعيدة المدى)، والعراق كباقي الدول النامية، إذ يعاني من نقصٍ كبيرٍ في توفر السيولة المتاحة، وقد تراكم أغلب رأس المال المادي في القطاع النفطي بعد العام 2003، يقابله الانحسار في توفير الخدمات الأساسيَّة، كالماء والتعليم والصحة والكهرباء والبطالة المتزايدة، حتى أصبح القطاع النفطي نتيجة لذلك يسهمُ في أغلب الناتج المحلي الإجمالي، في حين تسهمُ جميع القطاعات الاقتصاديَّة الأخرى بالجزء اليسير.
ليس من شك إنَّ تحسين نوعيَّة اليد العاملة في تطوير الصناعات المختلفة يحتلُّ خطوة أساسيَّة مساوية لاستثمار رأس المال المادي، لدفع عجلة التنمية في القطاعات الإنتاجيَّة، فإنَّ العراق يحتاجُ الى مزيدٍ من الاستثمارات في رأس المال البشري.
من هذا المنطلق يتلازم استثمار الطاقة البشريَّة القادرة لتفعيل القوى الإنتاجيَّة وتوفير مستلزمات الخدمات والعيش الرغيد في المجتمع، لا سيما أنَّ حالة التلازم بين استثمار ثروات العراق النفطيَّة الناضبة والحاجة الملحة الى تنويع مصادر الاقتصاد، تيسر لنا الطريق التي تؤمن للعراق حتميَّة تطوره الاقتصادي بنسبٍ تتصاعد حين يتم استغلال طاقاته المتاحة الأخرى، من الثروات الدفينة والغنيَّة واعتبارها العملة النادرة لآفاق المستقبل وللأجيال القادمة في
العراق.