جريمة هجــر الأسرة

العراق 2020/02/17
...

  المحامية مريم كريم هاشم الخالدي 

ليست الجريمة ظاهرة حديثة بل هي ظاهرة قديمة ترجع إلى أقدم العصور، ابتدأت مع ولادة البشرية مع قابيل وهابيل ولا تزال مستمرة حتى يومنا هذا مع تزايد أنواعها، فمن الجرائم ما تظهر إلى العالم الخارجي بكامل أركانها المنصوص عليها قانونا، فإذا كان أهم ما يبغيه الإنسان في ظل مسيرته الإنسانية هو الحفاظ على الأمن والطمأنينة والاستقرار

 
 
 وبكل ما تنطوي عليه هذه المصطلحات من معان لا تقتصر على شخصه بل تتعداه إلى ماله، فإن وقوع الجريمة عليه لا تشكل خرقا لحق يتمتع به هذا الفرد فحسب، إنما ضررها يتعداه إلى أفراد المجتمع بوجه عام وكيف إذا كان مرتكب هذه الجريمة الشخص المسؤول عن تحقيق هذا الأمن والاستقرار والطمأنينه فالأسرة هي المسؤولة عن إعالة أفرادها سواء كانت من الناحية المادية والمعنوية، فإذا كانت الجريمة التي ترتكب من شخص على آخر لا يمت إليه بصلة تعد جريمة خطيرة لا بد من اقتلاعها بمعاقبة مرتكبها،
فالجريمة تكون أخطر إذا كانت مرتكبة من شخص على آخر يمت إليه بصلة من صلات القرابة من الدرجات المحددة قانونا، وأن هذه الجريمة قلة
ما تقع ذلك لأنها تثير الاشمئزاز لدى كل من يسمع بها، فالترابط الخاص بالأسرة ترابط متين من خلاله يصعد المجتمع إلى أعلى قمم التطور والإبداع، لذا أولى المشرّع العراقي عناية كبيرة من خلال النصوص التي جاء بها قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 المعدل وقانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل إذ نص على أقسى العقوبات للجرائم المرتكبة ضد الأسرة من قبل شخص ينتمي إليها، وأن اهتمام المشرّع العراقي بالأسرة لإدراكه الدور الذي تلعبه هذه الخلية البنّاءة في نشأة الفرد حتى يصبح عضوا صالحا في المجتمع لأن الأسرة هي المجتمع الصغير الذي يقوم بتسليم الفرد إلى المجتمع الكبير بعد أن تحضنه ليكون صالحا فيها أو بالعكس قد يكون سببا في فساده وتدميره بحيث يسلم إلى المجتمع الكبير فردا فاسدا ومدمرا، والذي بدوره يكون سببا لفساد المجتمع وتدميره والأصل الوالدين يسعيان غالبا إلى تربية طفليهما تربية سليمة وذلك بتكوين أرضية صالحة عن طريق المبادئ والقيم الصالحة التي يغرسونها في نفسية الطفل حتى يكون له مناعة في المستقبل من عدوى الانحراف والسلوك المشين ولكن ليس كل الآباء بهذه الصفات والأخلاق الحميدة فمن الآباء من يساهم بشكل ما بانحطاط أخلاق أولادهم إمّا عن طريق تشجيعهم على الانحراف وإمّا تسامحهم على التصرفات الخاطئة أو عدم توفير فرص العيش وعدم الإنفاق على الأولاد
ومن هنا جاء دور المشرّع في حماية الأسرة من كل ما قد يسيء إليها وإلى قدسيتها، و ذلك بوضع نصوص صارمة على كل من يحاول تفكيك الأسرة أو التقليل من قيمتها ومن الجرائم التي نص عليها المشرّع العراقي في قانون العقوبات العراقي جريمة هجر الأسرة، وهي ترك الأسرة بدون نفقة حيث نصت المادة (384 ) منه على : 
(من صدر عليه حكم قضائي واجب النفاذ نفقة لزوجته أو أحد أصوله أو فروعه أو لأي شخص آخر وبأدائه أجرة حضانة أو رضاعة أو سكن وامتنع عن الأداء
مع قدرته على ذلك خلال الشهر التالي لإخباره بالتنفيذ يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على خمسمئة ألف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين) ولا يجوز تحريك الدعوى إلّا بناءً على شكوى
من صاحب الشأن وتنقضي الدعوى بتنازله عن شكواه أو بأداء المشكو منه 
ما تجمد بذمته فإذا كان التنازل أو الأداء قد حصل بعد صدور الحكم في الدعوى أوقف تنفيذ العقوبة) ومن خلال هذه المادة يتضح أن المشرع العراقي قد عاقب على جريمة هجر الأسرة وعدم أداء النفقة حرصا من المشرع العراقي على حماية الأسرة العراقية من التعرض للعوز والفاقة  وأن امتناع الزوج عن تسديد النفقة المحكوم بها يعد جريمة وفقا لأحكام
قانون العقوبات العراقي ونجد من الضروري إعادة النظر بأحكام المادة (384) من قانون العقوبات وتشديد العقوبة فيها لحماية الأسرة
 والطفولة.