بغداد/ كوكب السيّاب
طالما كانت أهوار العراق مصدر جذب وإلهام للمصورين، المحترفين منهم والهواة، وفرصة كبيرة لتوثيق لحظات جميلة بعدساتهم الفوتوغرافية، فلـ "فينيسيا الشرق" سحرها الخاص وعوالمها الموغلة بالدهشة، الأمر الذي جعل منها قِبلة للسياح الوافدين من داخل العراق وخارجه.
في السبعينيات، زار الرحّالة البريطاني "كافن يونغ" الأهوار، وألّف بعد ذلك كتابه المشهور "العودة إلى الأهوار"، ورافقه في زيارته المصوّر البريطاني "نِك ويلر" الذي يعود الفضل له في توثيق حياة أهالي هذه الجنة العائمة في أرض سومر.
كان أطفال الأهوار مصدر إلهام لـ "ويلر" في تلك الرحلة الغنية، إذ حرص على توثيق يومياتهم وحياتهم البسيطة، ومازالت تلك الصور مُتداولة في صفحات التواصل الاجتماعي، لاسيما المهتمّة بالأرشيف.
رحلة توثيقيّة
اليوم، وبعد مضيّ ما يقرّب النصف قرن على رحلة "ويلر"، يقوم أحمد عبد الأمير، المصوّر البصري الشاب، بالدور نفسه، سعياً منه لصناعة مادة فوتوغرافية جميلة، تجسّدها صور تترجم حياة الأطفال في الأهوار.
ويسكن أهوار العراق نحو مليون مواطن ينتمون إلى القبائل العربية الأصيلة. أما سكّان أعماق الأهوار فيطلق عليهم تسمية "المعدان"، وحياتهم تشبه حياة البدو الرحل، ويعتمد سكّان الأهوار بصورة عامة على صيد الأسماك وزراعة الأرز وتربية الجاموس. ويستخدمون الزوارق، أو ما يعرف بـ "المشاحيف" في تنقلاتهم، وقد تمّ إدراج الأهوار في لائحة التراث العالمي من ضمن قائمة المواقع المتميزة من شتى أنحاء العالم، في يوم 17 تموز 2016.
سحر الأهوار
يقول عبد الأمير: "طالما جذبتني الأهوار، لما تتمتع به من جمال لا نظير له، ولاختلاف بيئتها وساكنيها"، مضيفاً: "كانت أمنية زيارتها تراودني على الداوم، لأخرج بحصيلة من الصور غير النمطيّة، تُترجم رسائل انسانيّة تحكيها وجوه سكّان هذه البيئة الجميلة".
ويتابع عبد الأمير: "بدأت رحلتي إلى الأهوار قبل نحو 3 سنوات، إذ قمت بتجهيز عدّتي التصويريّة متجهاً برفقة مصورين من البحرين إلى أهوار الجبايش في محافظة ذي قار"، مواصلاً: "ما إن وصلنا صباحاً حتى استأجرنا مشحوفاً اتجهنا نحو الأهوار".
ويصف عبد الأمير المشهد الأول للأهوار بأنه "كان ساحراً بكل ما تعني الكلمة من معنى"، لافتاً إلى أنّ "مشاهد صفاء المياه ومنظر القصب المحيط بنا وزوارق الصيادين التي تشق الماء يميناً وشمالاً، بدت كأنّها جنّة في الأرض".
أطفال الأهوار
يشير عبد الأمير: "عند نزولنا الى المنطقة، استقبلنا الاطفال بتلك العيون الملوّنة والشعر الأحمر الذي تغيّرت صبغته بسبب الشمس؛ إذ يقضون معظم وقتهم في السباحة والعمل في الهور، وقد جذبني كثيرا ذلك الحزن المرسوم على وجوههم وانا التقط الصور لهم، لذلك اجتهدت أن انقل مشاعرهم وأحاسيسهم بكل أمانة إلى المتلقي".
ويكمل: "كان وقت التصوير ضحى ذلك الصباح، ثمّ انتظرنا الى المساء ليكون الضوء ناعماً، فوقت العصر والغروب، حسب رأيي، مثاليٌّ لتجسيد هذا الجمال الآخّاذ".
ويتحدث عبد الأمير عن سكّان الأهوار: "أناسٌ بسطاء يمتلكون قلوباً محبّة للآخرين، أبدوا تعاوناً معنا، وغمرونا بمحبتهم وابتسامتهم العفويّة، وهذا ما بثّ في أنفسنا السعادة وجعلنا نصوّر رحلتنا بكلّ ارتياح ومن دون تقيّد بشيءٍ ما".