{السينمائي} تحديات التأسيس

الصفحة الاخيرة 2020/02/25
...

علي حمود الحسن
لم يعد القارئ العراقي مهتماً كثيراً بالمطبوع الورقي، صحفاً كان او مجلات، وهو أمر لا يخصنا وحدنا، إذ تحول الى ظاهرة  كونية، تفاقمت بعد الثورة الرقمية الهائلة وتعدد وسائط الاتصال، لذا صار اصدار مطبوع ورقي-  لاسيما اذا كان متخصصاً-  مغامرة  لايحمد عقباها،  وهذا ما جعل الناقد والمؤرشف السينمائي  مهدي عباس يطلق صرخة محملة بالاسى ، على صفحته في العالم الازرق، وهو يرى مجلة سينمائية رصينة على شاكلة " السينمائي" تعرض "بمبلغ زهيد  قدرُه الفا دينار، ولا احد يشتريها،  وهذا يعني ان القراءة لا تشكل جزءاً من اهتمام الشباب، ليس كلهم على اي حال"، ومع ذلك اصرت ادارة ورئاسة تحرير المجلة، التي تعنى بشؤون الفن السابع محلياً وعربياً وعالمياً، على اصدار عددها الثالث، الذي حفل بالعديد من المواضيع المهمة والمتنوعة .
 "  السينمائي" التي  يتصدر مجلس ادارتها سعد نعمة، وهو مخرج ومصور فوتوغرافي ، ويرأس تحريرها الاعلامي المخضرم عبد العليم البناء، تعاني كثيراً من شحة التمويل، في بلد لا يعرف رجال الاعمال فيه الاستثمار الثقافي، فضلاً عن  فقر ميزانيات المؤسسات الحكومية المعنية وقلة تخصيصاتها، فيلجأ اصحابها الى طرق الابواب من اجل تمويل انجازها وتسويقها، وهذا يفسر صعوبة اصدار اعدادها، التي غالباً ماتكون أقرب الى العملية القيصرية.
تضمن العدد مدخلاً بقلم البناء رسم فيه خارطة  العدد الثالث من "السينمائي" متوسماً أن تكون المجلة " قادرة على المتابعة والتوسع والانتشار، محلياً، وربما عربياً"، ثم استطلاعاً طريفاً بعنوان "السينمائي  في عيون النقاد،  شاركت فيه نخبة من الكتاب المتخصصين بالفن السابع، منهم: ماجد الطيب من مصر، وحسن حداد من البحرين،  وندى الازهري من فرنسا ، والجزائري عبد الكريم القادري، وغيرهم، وحققت المجلة  حواراً خاصاً مع النجمة نبيلة عبيد أجرته عزة فهمي، فضلاً عن تحقيق خاص عن السينماتك والذاكرة المرئية، يكشف فيه الكاتب (لم يذكر اسمه) المخفي والمستور في كارثة الخزن السيئ لذاكرة العراق البصرية، واضعاً الحلول ومانحاً الامل بانقاذ ما يمكن انقاذه من هذه الثروة الوطنية  وخزنها ضمن المواصفات العالمية، واعد  سعد نعمة  ملفاً حيوياً عن سينما الاحتجاجات ، اقتفى فيه اثر الافلام القصيرة التي عرضت في خيمة وجمهورها الثوار، معززاً ملفه بعمود للناقد علاء المفرجي صاحب فكرة سينما التحرير، ومعرجاً على تجربة المخرجة الشابة سيماء سمير من خلال محاورتها ، اذ   قالت" ان سينما الثورة  تؤكد سلمية التظاهرات في زمن ديمقراطية الصورة"، وكتب د. صالح الصحن عموداً عن الفيلم الوثائقي، اوجز فيه مفهوم الفيلم الوثائقي، الذي يؤدي من وجهة نظره : "  مهمة المؤرخ للوقائع والاحداث".  
ومن مواضيع المجلة الطريفة دراسة للناقد والموثق السينمائي محمود قاسم رصد فيها اغنيات سينمائية مطموسة في تاريخ مصر، ليكون مختتم مواد " السينمائي"  موضوعاً فوتوغرافياً للقاص والكاتب جاسم عاصي عن جماليات الصورة الفوتوغرافية في اعمال عبد الرسول الجابري"، واسهم الاقتصادي المعروف د. مظهر محمد صالح عن عصر السينما وعبق الذرة، 
واكتظت المجلة بالكثير من الدراسات النقدية بعضها تكرر اسم كاتبها ؛ وهذه هنة  مهنية،  لا  أعرف كيف  تغاضى عنها التحرير، وبدت لمسات البناء واضحة في كسر إيقاع المجلة الثقيل في الاعداد السابقة، من خلال تنوع المواضيع وطرافتها وتدعيمها بالصور الملونة  البارزة، وفي تقديري المتواضع، فإن اي جهد يوثق ويروج للخطاب السينمائي عموماً والعراقي خصوصاً، هو اضافة تأسيسية لمكتبة سينمائية عراقية نفتقدها  .