حرب الثروة!

الصفحة الاخيرة 2020/02/26
...

 جواد علي كسّار
 
الأرقام التي أدلى بها الطبيب العراقي يوسف الأشيقر، يمكن أن تخفض حالة القلق المتصاعدة عن فايروس كورونا، فقد ذكر الأشيقر أن الأنفلونزا العادية حصدت في بلد متقدّم بنظامه الصحي مثل أميركا (8500) حالة وفاة، خلال الشهر العاشر والحادي عشر من سنة 2019م المنصرمة، وأنها تحصد سنوياً في أميركا نفسها، ما يصل إلى (40) ألف حالة وفاة، في حين لا تزال نسبة ضحايا كورونا لا تتجاوز حتى الآن
2 - 3 % من عدد المصابين.
إذن لماذا كلّ هذه الضجّة، وهل نحن أمام حالة تضخيم وتهويل؟ أعتقد أن المشكلة بدأت من الصين، ولا أقصد بذلك انتشار الفايروس، بل أسلوب التعامل معه، فقد قدّمت الصين أنموذجاً سيئاً للغاية في مواجهة الحالة، حين جنحت بادئ الأمر إلى إنكار وجوده والإصابة به، ورفضت الحديث عنه حتى من قِبل الأجهزة الطبية الصينية المختصّة نفسها.
وقصة طبيب العيون الصيني معروفة لنا جميعاً بمآلها الموجع، فقد كان هذا الطبيب أوّل أو من أوائل من تحدّث عن وجود الفايروس في الصين، وانتهى إلى أن يكون ضحية من بين ضحاياه، لكن سلطات بلاده استجمعت كلّ بلادة الخطاب الماركسي الشمولي، واتهمته بـ«التحريفية» والتزييف وخداع الجماهير الصينية، وعرقلة الإنتاج، قبل أن تنقلب على ذلك كلّه وتتحوّل من الصمت المريب والإنكار الكامل، إلى إجراءات متحمّسة بدأت من الاعتراف بالفايروس والإقرار بوجوده، وانتهت إلى الإجراءات التفصيلية المتصاعدة، وبناء المستشفيات العملاقة خلال أيام، وقد اقترنت حملتها مع ضجّة إعلامية كبيرة، على النحو الذي راح أيّ بلد يُصاب مواطنوه بالفايروس، يشعر أنه مقصّر إذا لم يحذُ حذو الصين نفسها، برغم المسافة الكبيرة بين الصين وغيرها، فالفايروس انطلق من الصين وشاع فيها، ونسبة الإصابة به هي 99 % داخل الصين، و1 % فقط ببقية بلدان العالم!
للصين مشكلاتها الكبيرة في الداخل ومع العالم، ولاسيّما الغرب بخاصة شقّه الأميركي، فهي مُتّهمة بالتضييق على الحريات واضطهاد الأقليات، وبشمولية نظامها السياسي والعقائدي، والأخطر من ذلك والأهمّ منه، أنها تتربع على ثاني أكبر اقتصاد في العالم، يهدّد اقتصاديات العالم المتقدّم برمته، ومرشح خلال عقود أن يتربع على قمة الهرم الاقتصادي في العالم، وهذه «خطيئة» للصين لن تُغتفر، ولا بدّ من تعويق الاقتصاد الصيني، وضرب وتيرة نموّه المتصاعد، من قِبل رموز الرأسمالية المتوحشة ومؤسساتها وعقولها، بفايروس الكورونا اليوم وبغيره غداً وفي المستقبل.
هذا ببساطة هو «منطق» الصراع على الثروة بين الأمم على مدار التأريخ؛ وهكذا سيبقى، ولستُ استثني من هذه القاعدة الصين نفسها، فاقتصادها يخضع كحال الاقتصادات الكبرى في العالم، إلى أعراف وإن شئت قلت قوانين الرأسمالية المتوحشة.
غاية ما في الأمر أن الصين الآن هي في المنخفض، وينبغي أن تتلقى الضربة وتدفع الضريبة في هذا الصراع الوجودي، وقد فعلت من خلال حجر المدن وتوقف حركة النقل، وإيقاف المصانع، والكساد في مناجم المعادن، وجمود حركة اليد العاملة، وانخفاض الأسهم، وتعرّض الودائع للخطر، والصفر في السياحة، وما يقارب الصفر في بعض الصادرات كالسيارات مثلاً؛ ولكي لا أطيل عليكم القصة، فإن الخسائر التي طالت هذا البلد بلغت حتى الآن (1100) مليار دولار، وهذه خسارة لا يمكن أن تحققها أيّ حرب ضدّ الاقتصاد الصيني، كما حققها كورونا!.