- 1 -
من غير المهضوم لا على الصعيد الاجتماعي فقط، أنْ يُصنّف العراقيون إلى صنفين: فيقال عن أحدهما إنّهم عراقيو الداخل، وعن الآخر إنّهم عراقيو الخارج، في إشارة واضحة إلى تكريس الاختلافات والفوارق، إيذانا بالوصول إلى محصلة مُرّة تجعل عراقيي الخارج وكأنّهم غرباء عن وطنهم وأهلهم وشعبهم، فضلا عمّا ينطوي عليه التصنيف منِ اجحاف بحقّ ما يمتلكه الكثير من عراقيي الخارج من مهارات وكفاءات وخبرات وطاقات يحتاجها الوطن أشدّ احتياج!
- 2 -
واستَتْبَعَ التمييز المذكور ظهور الانزعاج عند عراقيي الداخل من الجنسية الثانية التي حملها الكثير من عراقيي الخارج ممّن عاشوا لأعوام طويلة في دول أخرى، بعد أن غادروا الوطن فراراً من الظلم والقمع والاستبداد إبّان الحكم الدكتاتوري البائد، مع أنّ حمل الجنسية الأخرى لا يعني، بالضرورة، التخلي من استحقاقات الولاء العميق للوطن الأم بحال من الأحوال. هذا وأنّ معظم المتحاملين على ذوي الجنسية المزدوجة يجهلون آليّة حصول عراقيي الخارج عليها، ولا يحسنون الظن بالدوافع والنوايا التي دعتهم للحصول عليها، مع أنّها في الواقع ليست إلّا أمراً طبيعياً لمن ساقته الظروف للعيش الطويل في بلد أجنبي ليس إلّا.
- 3 -
وقد لاحظ كثير من عراقيي الخارج حين عودتهم إلى الوطن أنّ هناك عوائق وعقبات تُوضع أمامهم، وتَحُولُ بينهم وبين الرجوع الكامل إلى وطنهم والاستقرار فيه، فعادوا وهم ناقمون على أخوانهم الذين تنكروا لهم، وعقّدوا عليهم الأمور بدلاً من الترحيب بهم وتيسير أمور عودتهم!
- 4 -
إنّنا لا ننظر إلى عملية التمييز بين العراقيين في التعامل إلّا بنظرة الاستغراب والاستنكار، فكما لا يسوغ للأب التفريق في المعاملة مع أبنائه، لا يسوغ للوطن أن يفرّق في تعامله مع أبنائه فيشيح بوجهه عن أبنائه الذين اضطرتهم ظروف الاضطهاد السياسي للبحث عن مأوى آمن فغادروه مرغمين، وبين غيرهم ممن لم تتح له فرصة الخروج والمغامرة.
- 5 -
على أنَّ المواطنين العراقيين في الداخل كانوا وقودَ المعاناةِ المُرّة أيّام الحكم الدكتاتوري البائد، وهم الذين ذاقوا، بعد ذلك، كؤوس المعاناة من سوءِ الخدمات والاهتزازات الأمنية، وشيوع البطالة، وتغليب المحاصصات الفئوية، وارتفاع مناسيب الفقر، فدخلوا في دورة جديدة من البؤس والمعاناة بعد تلك الدورة القاسية.
- 6 -
وإلى جانب ثنائية عراقيي الخارج والداخل برزت ثناية
(المستقلين) (والحزبيين) فكانت مظهراً آخر من مظاهر النخر في صميم الكيان الاجتماعي العراقي، وقد لعبت هذه المسألة مؤخراً لعبتها الخطيرة إبّان الانهاك بتشكيل الوزارة الجديدة!
- 7 -
إنّنا ندعوا، ومن موقع المسؤولية الشرعية والوطنية، إلى التعويل على الوطنية والنزاهة والكفاءة والقدرة على النهوض بالمسؤولية بعيداً عن كل الحسابات الأخرى. والمهم أنْ يكون التوجه لخدمة الشعب والوطن، لا لخدمة المصالح الشخصية والفئوية والطائفية، وحين يتجه جميع العراقيين بتفانٍ وإخلاص لخدمة وطنهم وأهلهم بعيداً عن تلك الحسابات التي ما أنزل الله بها من سلطان، سنكون أمام عراق آخر، سنكون أمام عراق قويّ حرّ سيّد مستقل مزدهر ينعم بالأمن والاستقرار ويشعر أبناؤه جميعاً بأهمية انتمائهم إليه، وما حازوه من نِعم بسبب هذا الانتماء.