عناصر الدولة الحضاريَّة الحديثة

آراء 2018/12/15
...

محمد عبد الجبار الشبوط
 
أكاديمياً، يقال إنَّ أهم مكونات الدولة هي: المواطنون- الإقليم- الحكومة-السيادة- الاستمرارية السياسية.
 فالشعب هو أهم عناصر الدولة، إذ لا يمكن تصور دولة في العالم لا يوجد بها سكان بغض النظر عن عددهم، إذ إنَّ هناك دولاً كثيرة السكان كالصين ودول قليلة السكان كدولة قطر.
ولا يمكن قيام دولة بدون إقليم ثابت ومحدد، كما أنَّ مساحة الإقليم في الدولة الحديثة متفاوتة، فمنها ما يغطي مساحة كبيرة من الكرة الأرضية ومنها ما هو ضئيل المساحة. ولا عبرة بالحجم هنا. والإقليم ينقسم الى ثلاثة أجزاء هي الإقليم الأرضي والإقليم المائي 
والإقليم الجوي.
ولا يكفي لنشأة الدولة وقيامها وجود شعب يسكن إقليماً معيناً وإنما يجب أنْ توجد هيئة حاكمة تكون مهمتها الإشراف على الإقليم ومن يقيمون فيه (الشعب) وتمارس الحكومة سلطتها وسيادتها باسم الدولة، بحيث تصبح قادرة على إلزام الأفراد باحترام قوانينها وتحافظ على وجودها وتمارس وظائفها لتحقيق أهدافها.
هذه هي عناصر الدولة كما تُدرس وتُدرّس في كتب القانون الدستوري. وهي عناصر مشتركة بين جميع الدول، سواء في تلك الدولة الموصوفة بأنها حضارية أو الدول الموصوفة بأنها غير حضاريَّة. مع ملاحظة انَّ الافتراض القائل بأنَّ حالة الشعب والإقليم والحكومة في الدولة الحضارية تختلف عن حالها في الدولة المتخلفة افتراضٌ صحيحٌ. وهذا أمرٌ سأعود إليه في مقال آخر.
لكن ما يهمني الاشتغال عليه في هذا المقال هو عناصر أو خصائص تنفرد بها #الدولة_الحضارية_الحديثة وهو مما يلزم أن يكون القارئ العزيز على معرفة بها. وهذه العناصر هي:
المواطن الفعال.
المجتمع الحضاري ذو التنظيم الحسن.
الحكومة الفعالة المعبرة عن إرادة الناس.
القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري......
لا يولد الناس مواطنين بالفطرة أو الطبيعة، إنما يولدون أفراداً طبيعيين، ثم يكتسبون صفة المواطنة، والمواطنة الفعالة من خلال التربية والتنشئة السياسية التي يتلقونها في الأسرة والمجتمع والمدرسة.
والمواطن الفعال يتصف بعلاقات حضارية رفيعة المستوى مع المجتمع ومع الدولة. فاما علاقته بالمجتمع فتتجلى بشعوره العالي بمسؤوليته الذاتية عن الخير العام أو المصلحة العامة، كما تتجلى باندفاعه نحو العمل التطوعي من خلال التعاون مع الآخرين، وامتثاله للقانون والنظام العام وحرصه على المال العام، وأخيراً التزامه بمنظومة متشعِّبة من الحقوق والواجبات المتبادلة بينه
 وبين الدولة.
ولضمان تحقيق كل ذلك، فإنَّ د ح ح تعطي مسألة تحويل أفرادها الى مواطنين فعالين أهمية قصوى. ومن مجموعة المواطنين الفعالين وشبكة علاقاتهم ينبثقُ المجتمع الحضاري ذو التنظيم الجيد. والالتزام بالقانون هو الذي يحقق الجودة في تنظيم المجتمع. ويتجلى هذا في الكثير من الظواهر والمظاهر المجتمعيَّة، كالأسلوب المهذب في الكلام، والقيادة الآمنة للسيارات، والانضباط الذاتي في المحلات العامة والأسواق والدوائر الحكوميَّة، والنظافة العامة، واحترام خصوصيات الأفراد وحريتهم الشخصية، وغير ذلك. والمجتمع الحضاري المؤلف من مواطنين فعالين قادرٌ على إنتاج حكومة ممثلة له بطريقة ديمقراطيَّة تجمع بين شرعية التمثيل وشرعية الإنجاز. فاما الأولى فهي ثمرة الانتخابات النزيهة والشفافة والعادلة التي لا تشوبها شبهة التزوير؛ وأما الثانية في ثمرة الكفاءة العالية تتمتع بها الحكومة القادرة على تقديم الخدمات للناس بشكل يؤدي الى تحسين حياتهم. ولا يمكن في حكومة حضارية حديثة الالتفاف على إرادة الناس أو تلفيقها.
وأخيراً، تمتاز د ح ح بفعالية القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري المؤلف من خمسة عناصر هي: الإنسان والزمن والتراب والعلم والعمل. وعادة ما تسود المجتمع قيمٌ عليا تتعلق بهذه العناصر وتشكل معالم السلوك الحضاري المطلوب والمقبول إزاء المركب الحضاري وعناصره الخمسة. ولهذا تجد في د ح ح أنَّ الإنسان محترمٌ وحقوقه مصانة وكرامته، وأنَّ الأرض وخيراتها مستثمرة بطريقة تضمن تحقق الرخاء والعدالة. ويحترم الجميع الزمن وخاصة من قبل الموظفين العموميين في دوائر عملهم الحكوميَّة. ويقدس المواطنون العمل، مثلما يقدسون العلم محتوى ومنهجية.
بهذه الإضافات تتميز د ح ح عن غيرها من الدول، حيث نوعية الحياة المغايرة، والارتفاع بمستوى ارتقائها، ويسرها بالنسبة للأفراد. وهذا ما لا نجده في الدول غير الحضارية، إذ ينتشر الفساد والمحسوبيَّة والاحتيال على القانون وتتردى الخدمات وتنفلت 
الأوضاع العامة.