الاستثمار الرياضي بين رغبة الوزارة وجدية إدارات الأندية
الرياضة
2020/03/04
+A
-A
بغداد/ الصباح الرياضي
يعد الاستثمار احد اهم حلقات النجاح في القطاع الرياضي ، فهو الشريانُ الحيوي الذي تتنفس من خلاله الرياضة رائحة الانجازات.
وبينما قطع هذا الموضوع شوطا طويلا في العديد من الدول ومنها العربية، مازال الاستثمار لدينا يراوح في مكانه بغياب الانظمة وضبابية القوانين الفاعلة التي تمنح للاندية حرية العمل في البحث عن الاستثمار لتعضيد مواردها المالية وانجاز بناها التحتية ابتداء من بناء ملاعب خاصة بها مرورا باستثمار فضاءات الاندية غير المستغلة في بناء مولات ومحال تجارية ومسابح وفنادق تشكل مردوداتها عاملا اضافيا في دعم النادي والدفع به لتحقيق الانجازات الرياضية.
وما زالت العديد من انديتنا تثقل كاهل الدولة في الاعتماد كليا على منحة الوزارة التي لاتشكل شيئا في مفهوم الدعم الرياضي بيد ان العدد الاكبر منها لاسيما المؤسساتية منها يعتمد بشكل خاص على الدعم المقدم من مؤسساتهاعملية الاستثمار الرياضي ببساطة اصبحت صناعة عالمية فيها انفاق وايرادات بمئات مليارات الدولارات، ويتهافت على شراء الاندية الشركات والممولون حول العالم .
(الصباح الرياضي) فتحت ملف الاستثمار، ووضعت يدها على الجرح وتعقبت المشكلات والعراقيل التي تحول دون تحقيق النجاح في هذا الملف المهم، بينما وضعت اراء اهل الشأن والمعنيين امام متابعيها من دون رتوش.
مشكلات قانونية
مدير دائرة المشاريع في وزارة الشباب والرياضة علي شمس الدين الشهرستاني كان اول المتحدثين، حيث قال: وضعت دائرة الاستثمار والتمويل الذاتي في الوزارة خططا لتحويل انديتنا الى دوائر استثمارية تقوم بتمويل نفسها من دون الاعتماد على المخصصات والمنح الحكومية، وبهذا الصدد تم اعداد دراسة متكاملة حولت الى وزارة المالية لغرض استحصال آلية لغرض تطبيقها.
واضاف : ان اية مبالغ تاتي من الاستثمار تذهب الى وزارة المالية وقد طالبنا اكثر من مرة بضرورة تخصيص جزء منها لوزارتنا من اجل دعم الاندية وتمويل النشاطات ولم نحصل على الموافقات اللازمة بحجة انها تتعارض مع القوانين النافذة، لاسيما ان الوزارة تمويلها مركزيا، مشيرا الى ان هذا مخالف لقانون وزارة الشباب رقم 25 لسنة 2011 الذي ينص على ان مالية الوزارة تتألف من ثلاثة اقسام ما يخصص من الموازنة العامة والهبات والتبرعات وايرادات الاستثمار، الا ان المالية كان لها رأي آخر بهذا الموضوع والاتصالات مستمرة لحل هذه المشكلة.
ملكية الاراضي
ولفت الشهرستاني الى ان هناك مشكلة ثانية في القانون العراقي تتمثل في ان الاندية لا تملك سندا للاراضي المستخدمة باعتبار النادي مؤسسة والارض تابعة لوزارة الشباب لذلك لايستطيع التصرف بالاموال الا في حالة قيام النادي بشراء ارض وتسجيلها باسمه حينها بامكانه الاستفادة من اموال الاستثمار، مبينا ان واقع حال الاندية مقسم بين نوعين منهم من قام بتأجير الارض وفق قرار مجلس الوزراء بمبلغ مابين 50 الى 100 مليون والبعض الاخر من الاندية تجاوز على الارض، الا ان الوزارة تساهلت معه من باب الدعم .
مخالفات قانونية
و تابع: ان هناك بعض الاندية انشأت محال لجباية الاموال وهذه مخالفات قانونية مثال على ذلك نادي الثورة في كركوك، وقد رفعنا دعوة قضائية ضده كسبناها لصالحنا، كما ان البعض منها يرفض الاستثمار كعرف متوارث لدى الهيئات الادارية، وللامانة اقول ان هناك ضعفا وثغرات بالقوانين الخاصة بالاستثمار نسعى لمعالجتها، لاسيما في موضوع استغلال المستثمر لارض النادي وشروعه بانشاء مرافق اخرى غير متفق عليها ، مبينا ان هناك العديد من الاندية تشغل ملاعب لفترة طويلة تتعدى الـ 15 سنة، الا اننا نجد ملاعبها بائسة وغير صالحة للعب، فضلا عن ان الانارة لاتعمل والحمامات غير صالحة.
وعلى الرغم من كل المنح التي تأخذها الاندية من الوزارة التي تجاوزت مئات الملايين خلال السنوات الماضية، الا انها لم تخصص ولو نسبة 20 % من هذه المنح من اجل ادامة الملاعب والحفاظ عليها، وهنا يأتي دور الرقابة
ومتابعة الاموال التي تصرفها ادارات الاندية، بالتالي هذه الملفات لابد لها ان تفتح في المستقبل، لافتا الى ان بعض الاندية تسلمت اكثر من 300 مليون دينار ولكن مقراتها وملاعبها غير صالحة، وان هناك ملاعب ستراتيجية ومهمة مثل ملعبي البصرة وكربلاء الدوليين وغيرهما التي تكلف صيانتها مبالغ طائلة لا يمكن ان نتركها تحت الخراب والعبث والاندثار .
وختم مدير المشاريع حديثه، قائلا : ان فكرة الاستثمار مازالت غير ناضجة، لذا يجب فسح المجال امام الدائرة المعنية من اجل العمل بالشكل الصحيح ولدينا افكار وامكانيات كبيرة اكتسبناها خلال متابعة التجارب في الدول الاخرى.
جاسم كاطع : نقلة نوعية
وادلى امين سر ادارة نادي القوة الجوية جاسم كاطع بدلوه في ملف الاستثمار، قائلا : يلعب الاستثمار دورا كبيرا في تطور الرياضة ويعد من الجوانب الاقتصادية المهمة ذات النفع المالي الكبير والمردود الايجابي نحو بناء ستراتيجية كروية تواكب الدول العربية والاسيوية المتقدمة في هذا المجال .واضاف: ان الاستثمار او التسويق يحدثان نقلة نوعية ليس في الرياضة فقط بل في الجوانب العلمية والثقافية والترفيهية للبلد، وهو اقصر الطرق وصولا الى النجاحات في ضوء تجارب الدول التي اعتمدت على هذه الطريقة فقادتها للازدهار الاقتصادي في القطاع الرياضي، لاسيما انها تغير وضع الاندية من مستهلكة الى منتجة، وتصبح قادرة على التحكم بمصاريفها من دون اللجوء الى الدعم الحكومي، معتمدة على مصادر دخلها سواء من القاعات او المنتديات او المولات التجارية وغيرها من المشاريع التي تستقطب الطاقات الشبابية.
واشار الى ان الوضع في العراق يختلف تماما عن تلك البلدان وهناك صعوبات تعيق البدء بالمشروع ، اذ لم نجد شركات او مؤسسات تجارية تتبنى هذا الجانب، الذي يتطلب تعاون وجهود الجميع من مجلس النواب ووزارة الشباب واللجنة الاولمبية وامانة بغداد وادارات الاندية، بغية تشريع القوانين وتشكيل لجنة عليا مهمتها تهيئة الملفات ودراسة موضوع الاستثمار بدقة من خلال الاستعانة بالخبراء الاقتصاديين لوضع السياسة الستراتيجية ورسم الخطط المستقبلية لتحقيق الطفرة النوعية في المجال الرياضي.
وتابع : ان الجوية يمتلك مساحات واسعة لاستيعاب المنشآت الرياضية سواء في شارع فلسطين او منطقة الحبيبية، وهناك عدة مشاريع معطلة، لانها تحتاج الى مبالغ مالية كبيرة والميزانية الحالية لا تكفي، مبينا ان ابواب النادي مفتوحة للمستثمرين والشركات الراغبة بالعمل والبناء، لاحداث نقلة نوعية تواكب التطور الحاصل في القارة الاسيوية.
واوضح كاطع ان النادي تابع لوزارة الدفاع وان اي امر يخص تحويله الى شركة او نظام الخصخصة يحتاج الى اخذ الموافقات الرسمية من الجهات العليا، مؤكدا ان الجميع يسعى لان يكون الصقور في مقدمة الفرق العراقية بجميع الالعاب، مبينا ان تفكير الادارة حاليا ينصب في كيفية تشييد الملعب المنتظر، من اجل تحقيق حلم جماهير القلعة الزرقاء، والهدف سيكون استغلال الاراضي الخاصة لبناء الصرح الجديد، من خلال اللجوء الى الاستثمار مستقبلا.
الحسناوي : أخطاء كارثية
اخر المتحدثين كان الخبير في الشأن الرياضي علي الحسناوي، الذي قال : يعتمد الاستثمار على خاصيتين أساسيتين وهما الثقافة المالية وآليات العمل وكلاهما يتطلبان وحدة بشرية متخصصة ومحترفة لإدارة عملية الاستثمار والتمويل الذاتي محليا ودوليا. وتميل بعض الاتحادات الخارجية إلى تشغيل وتوظيف الاستثمار من خلال شركات دولية متخصصة تقوم بتمويل نفسها ذاتيا.
واضاف: للأسف ترتكب الجهات الرسمية اخطاءً فادحة تسهم في تدمير الاستثمار من خلال اعتماد سياسة التمويل الحكومي للأندية والاتحادات الرياضية بعيدا عن استحقاقاتها الدولية وهي سابقة لم تحصل في كل دول العالم.
ولعل من أهم مشكلات مجالس الأندية والصراع المحموم فيها هو ما يتعلق بالتمويل الحكومي الذي تسبب بهذا الصراع لاسيما أن أموال
الدعم لا تخضع لأي رقابة مالية او متابعة وبالتالي أضحت سببا حقيقيا لعدم سلامة ونزاهة العمليات الانتخابية، ونتمنى أن يتم تشكيل وتفعيل وحدة الاستثمار في اتحاد الكرة الجديد وبقية الاتحادات من حيث حرية آليات العمل واختيار العناصر ذات الكفاءة والتجربة الشابة. كما ندعو ولو بشكل شخصي إلى إيقاف نزيف المال الشعبي إلى الاندية لما يتسبب به من تعميق ثقافة التطاول والهدر وصراعات غير محسوبة العواقب.
كما أدعو إلى اعتماد الكفاءات العراقية في الخارج وبالتحديد تلك التي تعمل في القطاعات المالية والاقتصادية والاستثمارية لما لها من دور كبير في تسيير نجاح الاستثمار في المؤسسات التي تعمل او عملت فيها.
احصائيات دولية
ومن النماذج على مردود الرياضة، إحصاءات الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» وفيها أن إيراداته من الاستثمار بلغت 975 مليون دولار عام 2008م في مقابل 882 مليوناً في 2007م، وأنه يوزِّع إعانات مالية سنوية للدول الـ 208 الأعضاء فيه تصل إلى ما بين 250 و300 مليون دولار. ونقل عن رئيس الاتحاد الدولي قوله إن «كرة القدم هي أكبر مشروع اقتصادي في العالم، ولا توجد شركة تحقق إيرادات أكبر مما تحققه كرة القدم الدولية».
ويبدو من الإحصاءات أنه خلافاً لباقي القطاعات الاقتصادية لم تتأثر الرياضة بشكل عام وكرة القدم خصوصا بالأزمة العالمية وبقيت الأندية تحظى بالرعاية وبعقود تلفزيونية للنقل المباشر وبتهافت الشركات للمشاركة في تنظيم الألعاب.
وعلى نطاق أكثر شمولاً من الدخل المحقق من رياضة معينة، تشير إحصاءات متعددة المصادر إلى أن الدخل السنوي من قطاع الرياضة ككل في الولايات المتحدة الاميركية تخطَّى منذ مطلع الألفية ضعف قطاع الصناعة وسبعة أضعاف قطاع الإنتاج السينمائي وأنه يحتل المرتبة الخامسة في الاقتصاد
الاميركي ويؤمِّن نحو 275 ألف فرصة عمل سنوياً ويشكِّل ما نسبته 4 في المئة من الدخل القومي.
وفي إحصاءات متعددة المصادر فإن الرياضة تحتل المرتبة الخامسة في الدخل الوطني في اليابان والمرتبة الثالثة في كل من إيطاليا والبرازيل، وأن مساهمة الرياضة في الناتج المحلي القائم تصل إلى معدل 2 في المئة في الدول المتقدمة . وتشير هذه الإحصاءات إلى أن حجم الرياضة بلغ عام 2011م نحو 3 في المئة من التجارة العالمية وأن نمو صناعة الرياضة عالمياً هو أسرع وتيرة من نمو الناتج المحلي القائم للدول المعنية بها بما يزيد على 3 أضعاف.
خلاصة القول
مما لا شك فيه أن ما أحرزته الدول من تقدم في الرياضة اعتمد على العامل المالي لإعداد الرياضيين، فرقاً وأفراداً، ولإنشاء البنى التحتية الرياضية الواجب توافرها للنهوض بهذا القطاع الذي تحول مع الوقت إلى أحد أهم روافد الاقتصاد الوطني ودعامة أساسية في التنمية الاجتماعية والبيئية.
وحتى نتمكن من مواكبة التطور العالمي في هذا المجال، لابد من ان تكون بيئة العمل نظيفة وخالية من آفة الفساد، وان تكون لدينا قوانين وانظمة واضحة، ومرونة وشفافية في التعامل والابتعاد عن البيروقراطية، كما يجب التعاقد مع شركات استثمارية متخصصة في هذا المجال وكما هو معمول به في دول العالم
المتطورة مع وجود رقابة صارمة على جودة العمل والمبالغ المصروفة، وتقع على عاتق الوزارة مسؤولية كبيرة في هذا المجال فهي
الجهة الراعية للاندية وعليها ان تنظم عملية الاستثمار كمرحلة اولية من اجل استقلالها ماديا وعدم إثقال ميزانية الدولة من جانب اخر.