اشتراطات التحوّل

آراء 2020/03/06
...

إياد مهدي عباس
 
يعد المجتمع المدني أداة و آلية حضارية مهمة لها دور كبير في ترسيخ المفاهيم الديمقراطية التي من شأنها أنْ تسهم في انتقال أيّ بلد من حالة الديكتاتورية الى حالة مغايرة، ونقصد هنا الانتقال إلى دولة مدنية ديمقراطية تضمن العدالة لمواطنيها كما تضمن تطبيق القيم والمفاهيم الديمقراطية. ومن هنا يمكننا القول إنّ وجود المجتمع المدني أصبح من ضرورات واشتراطات النجاح لأيّة تجربة ديمقراطية، كما أنّه دليل حضارة ورقي تلك التجربة.
ويعتقد بعضهم، في سياق فهمه العملية الديمقراطية، أنّها تتمثل بوجود صناديق اقتراع وناخبين وتداول سلمي للسلطة عبر انتخابات نزيهة وشفافة، فضلا عن كتابة دستور يوافق عليه الجميع ويعمل على خدمة المواطنين ويحفظ لهم حقوقهم على اختلاف مكوناتهم وألوانهم. إلّا أنّنا، في العراق، أدركنا، بعد سنوات طويلة، أنّ هذه ليست الديمقراطية، بل هي مجرد آليات تساعدنا في تحقيق الديمقراطية، والتي من الصعب تحقيقها وتكريس مفاهيمها من دون أن تنتج التجربة وآلياتها المذكورة مفاهيم ومخرجات عديدة ومهمة غابت عن المشهد العراقي، أهمها تغليب المصالح العامة على المصالح الخاصة، وتحقيق معادلة الحكومة والمعارضة، وثقافة الاعتراف بنتائج الانتخابات، وتعزيز روح تقبل الخسارة، وإعلاء روح المواطنة فوق الانتماءات الحزبية والطائفية والقومية ومفاهيم أخرى.
على الرغم من مرور سنوات على مرحلة التحول الديمقراطي في العراق إلّا أنّنا ما زلنا بعيدين عن تحقيق تحول حقيقي يستند الى مفاهيمها المدنية. كل هذه المفاهيم والمخرجات الديمقراطية لن تتكرس عبر تطبيق آلياتها حسب، بل هي بحاجة إلى عمل كبير للمجتمع المدني بوصفه المنتج الأول للثقافة والقيم الديمقراطية التي لم يألفها المجتمع العراقي والمجتمع العربي إذ غابت هذه المفاهيم عن الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي في المنطقة العربية في ظل الحكم الشمولي للأنظمة الدكتاتورية عبر عقود من الزمن تم من خلالها تغييب الدور الحيوي والفعال لمنظمات المجتمع المدني. اليوم لا يمكن أن نقول بنجاح التجربة الديمقراطية في العراق وسط التأزم والتجاذبات السياسية المستمرة وغياب أحد طرفي المعادلة الديمقراطية، ونقصد هنا المعارضة البرلمانية على الرغم من أنّها كانت يجب أن تكون عين المواطن المراقبة والمحاسبة للأداء السياسي والحكومي في التجربة. كل هذا دعا منظمات المجتمع المدني التي ظهرت على الساحة العراقية بعد سقوط النظام لتشارك في إعادة البناء الثقافي والسياسي والاجتماعي للإنسان العراقي باعتبارها الجهة غير الرسمية القادرة على التدخل من دون التطلّع إلى مكان لها في السلطة أو الحكومة لأنّها تنطلق باتجاه توعية المواطن وترسيخ المفاهيم الديمقراطية لديه ولدى السياسي على حد سواء. ولو أردنا للتحول الديمقراطي في أي بلد أن ينجح ويتحقق، فعلينا تهيئة الأرضية الصالحة لترسيخ المفاهيم والثقافة الديمقراطية التي لن نتمكن من إنتاجها وتطبيقها بعيدا عن المجتمع المدني ومنظماته التي يجب أن تلعب اليوم دور المعارضة كرقيب على الأداء السياسي وحارس على المفاهيم الديمقراطية الناشئة في العراق.