أجمل حكمة قرأتها قبل سنوات طويلة تقول: (أينما وجِد الحديد وجد الصدأ) وهو ما يعني وجود التلازم الحقيقي بين شيئين متناقضين في كل الأشياء التي توجد في الحياة. مثل قول أينما يوجد الخير يوجد الشر، وأينما يوجد الضوء يوجد الظلام، أو الظل. إنّ هذه الحكمة، أو المقولة، أو الاستنتاج الذي يمكن استخلاصه من تأويل القول في بعض أجزائه.
إنّ الفعل الناقص غير المدروس ينتج نتائج عكسية، وبالتالي تأثير الثقافة السلبية على الواقع الذي يمكن أنْ يتحول بين ليلةٍ وضحاها بعد صبر، أو محاولة تأقلم، أو الشروع نحو الصمت مقابل الحفاظ على السلام أو غيرها من المرادفات التي لا يريد أصحاب هذا الرأي والمؤمنون به أن يكونوا على درجةٍ من الاستعجال في الوصول إلى طرح ردّة الفعل مقابل الفعل الذي تضخّم وصار غولًا، ومن ثم تأتي ردّة الفعل ليتم تناقل القول أنها جاءت بين ليلةٍ وضحاها من دون الإدراك بحجم الصبر والتصبّر والتحمل ومحاولة الردع بهدوء ووعي وثقافة.
إنّ الأمر الذي يمكن أخذه مثالا على علاقة الحديد بالصدأ، هو ما حصل مؤخّرا في الهند التي أسسها المهاتما غاندي بسلامه وثوبه غير المخيط وأكله المتواضع لينتج دولةً عظيمة في السلم والتضامن والتسامح، ومن ثم الولوج إلى عالم الاقتصاد والفضاء، رغم ما نحمله من معلوماتٍ عتيقةٍ عن أنّ الهند بلد فقير ومنتج للسينما فقط لكن الحقيقة هي غير
ذلك.
ولكن الأمر إنّ الحديد دائما ما يتحرّك ليضع نفسه تحت أشعة الشمس، وبالتالي النار التي جاءت بها أعمال الثأر مثلا، فيتحوّل الى معاول صدئةٍ تسمّم العقول وتؤدّي الى أعمال عنفٍ ودائما ما تكون هذه الأعمال أو الفأس الحديدي الذي أصيب بالصدأ
حتما.
إنّ ما حصل في الهند لم يكن وليد قرارٍ تم اصداره في كانون الأول الماضي والقاضي بـ (السماح بتجنيس المهاجرين غير النظاميين من ثلاثة بلدان مجاورة، بشرط ألّا يكونوا مسلمين) بل هو الصدأ الذي تركّز على خصيصتين مهمّتين يجب الانتباه لهما في البلدان الأخرى كدرسٍ من دروس الحياة والسياسة، ومسؤولية الدولة في أخذ الجانب الذي لا يؤثّر على حقوق الآخرين مهما كانت نسبهم في هذه الدولة أو تلك، كأغلبية أو أقلية، كون الصدأ في هذه الحالة سيكون فاعلا في نخر قوّة الحديد المجتمعية، وبالتالي تكون سهلة لحصول حالة من التهديم والتآكل والابتلاع ومن ثم الاقتتال.
وهو ما حصل في الهند الذي وجد فيه الهندوس أنّهم الأغلبية مقابل المسلمين الذي اعترضوا على القانون من خلال قيام بعض النسوة بقطع طريق كطريقةٍ للاحتجاج في منطقةٍ محدّدة.
ومن ثم التوسّع الى كلّ الهند وإيصال صوتهم أنّهم ليسوا مواطنين من الدرجة الثانية كديانةٍ وكشعبٍ والحجّة الصحيحة أنّهم يدافعون عن العلمانية والمساواة والحرية والسكن والمواطنة وعدم التهميش أو الاختصار على فئةٍ دينيةٍ أو قومية أو عرقيةٍ دون
غيرها.
لكن الجانب الآخر، أو الخصيصة الثانية التي لا بدّ من الانتباه إليها، هي: لماذا تم تحييد المسلمين أو وضع المنع عليهم في جملة القرار وهو هنا بالضرورة أن يكون الدرس مهماً، وهو أنّ القرار ربما جاء أيضا كردّة فعلٍ على ما يقوم به المسلمون إذا ما تجمّعوا أو كوّنوا مكانا فيه الغلبة
لهم.
فهذه التجمعات أنتجت عصاباتٍ قاتلةً كالقاعدة وطالبان، ومن ثم داعش والنصرة وبوكو حرام وغيرها من تلك الجهات أو التجمعات أو الفصائل المسلحة التي استغلت الدين لقتل الناس والسعي لإقامة دول خاصة بهم، بحجّة العمل وفق الاجتهاد الإسلامي ممّا ولد معلومة تكاد تكون قارّة أنّ القتل في العالم سببه المسلمون.
إنّ مقولة أو حكمة الحديد والصدأ ربما تكون أقرب إلى فهم الدرس من قبل الحكومة، أيّة حكومة، كي لا تكون حديدا تحت الشمس وترش الماء عليه بحجّة إصدار القوانين التي تهم مجموعة من دون أخرى، لأن المواجهة المسلحة ستكون هي البوابة التي تدخل منها كل الديدان التي تنخر المجتمع، ولن تقوم له قائمة والحرب الأهلية مساحة واسعة في الاستنتاج والنتائج كما حصل في الهند في أول موجهة سقط 33 ضحية لقانون لم يكن حكيما وردّة الفعل لم تكن كذلك واعية للأسباب التي أدّت الى اتخاذ قرارات من هذا
النوع.