عبد الزهرة محمد الهنداوي
قبل الخوض في التفاصيل، أريد أنْ استميح غابريل غارسيا ماركيز، عذرا، لتطفّلي على لؤلؤته الإبداعية (الحب في زمن الكوليرا)، مستعيراً منه مقاربته بين وباء الحب والكوليرا، في رسم مقاربة آنية بين وباء الكورونا المستجد وما جرى اتخاذه من إجراءات، على مستوى العالم، بعضها كان مؤطّرا بالقسوة المفرطة، ولكنها مسوّغة بالتأكيد، على اعتبار أنّ حياة الإنسان هي الهدف والمبتغى.
ففي بعض الأحيان يكون الانسان غير عارف بصالحه، وبالتالي لا بدّ من وجود جهة أخرى قادرة على حماية حياته ومصالحه، حتى وإن تطلب الأمر أن تكون تلك الإجراءات رادعة وقاسية، وهنا أتحدث عن حظر التجوال، أو ما سمّي بـ (الحجر المنزلي) الذي اتّخذته أغلب الحكومات في 200 بلد حول العالم ضربها الفيروس، مع وجود حالة من التباين والاختلاف بين دولة وأخرى، في قوة وضعف هذا الإجراء، إذ لجأ بعضها إلى الاستعانة بقوات الجيش لمنع الناس من الخروج ، ودول أخرى أعلنت عن عقوبات تصل إلى حد السجن لمدة سنة لمن يكسر الحظر، بينما شهدت بلدان أخرى استهتارا واضحا واستهانة بخطورة الموقف ما جعلها تدفع الثمن غاليا، فقد انتشر الفيروس بنحو مرعب تسبب بمئات الآلاف من الإصابات والوفيات، في مشهد مأساوي
لم يسبق له مثيل، وانهارت الكثير من الأنظمة الصحية الرصينة، لا سيّما في بلدان أوروبا وغيرها، وكان بالإمكان أن تكون ضراوة المواجهة أقل حدة، ونسبة
الضرر أقلّ بكثير ممّا وصلت
إليه.
الصينيون، ربّما هم الأكثر نجاحا في هذه المواجهة، على الرغم من أنّ الفيروس انطلق من بلادهم، وطار بسرعة فائقة ليغزو العالم بأسره، في غضون أسابيع قلائل.
نجاح الصينيين لم يتحقق بسهولة، إنّما لأنّهم كانوا قساة غلاظا في فرض إجراءات الوقاية، مع توفير متطلبات الحياة الأساسية للناس، لكيلا تكون للناس حجة بعدم المكوث في البيوت.
ولكن، كيف كان حالنا نحن في العراق؟ وهنا أعود إلى التفاصيل التي أشرت إليها آنفا، فالوضع لدينا مختلف، ولعل هذا الاختلاف هو الذي جعل الكثير من المواطنين لا يلتزمون بالحظر المنزلي، ويعزى عدم الالتزام هذا إلى سببين اثنين: الأول، قلّة الوعي لدى شرائح مجتمعية، وعدم تقدير خطورة الفيروس الذي لا يفرق بين الوزير والغفير، ولا بين الخادم والمخدوم، بلحاظ إصابة شخصيات كبيرة ومهمة في العالم، وبالتالي، وإزاء هذه المشكلة الخطيرة، فإنّ الأمر يتطلب اتخاذ إجراءات فاعلة، سواء من قبل القوات الأمنية، أو وضع خطط إعلامية، فضلا عن إمكانية الاستعانة برجال الدين وشيوخ العشائر المؤثرين، لمخاطبة المجتمع وتبصيره بمستوى الخطر. أمّا السبب الآخر، وهو الأخطر، فإنّه يرتبط بتأمين متطلبات العيش، ونحن نتحدث هنا عن نسبة فقر تصل إلى 20 بالمئة وبطالة تناهز الـ 14 بالمئة في عموم البلاد، وأغلب هؤلاء الفقراء والعاطلين عن العمل يعتمدون في قوتهم اليومي على ما يحصلون عليه من أجر بسيط جرّاء أعمالهم غير المنظمة (سائق تكسي، صاحب متجر صغير، عامل بناء .. إلخ)، فمثل هؤلاء ليس من السهولة بمكان حجرهم في البيوت، وهم لا يمتلكون قوت يومهم، لذلك فهم يخاطرون بأنفسهم من أجل الحصول على ما يؤمّن الحدّ الأدنى من متطلبات عيشهم، وسيزداد الأمر تعقيدا مع تمديد فترات حظر التجوال، وربّما إعلان حالة الطوارئ،
في حال تفشى الوباء، لا سمح الله.
وهنا لا بد من اتخاذ إجراءات سريعة لتأمين جانب من متطلبات العيش للفقراء، من خلال صرف منحة مالية عاجلة، وتوفير مواد البطاقة التموينية من قبل وزارة التجارة، من دون أن ننسى الإشارة إلى تلك الوفرة الجيدة من المواد الغذائية واستقرار الأسعار بنحو يبعث على الاطمئنان، وهو مشهد فقدته دول عظمى.
نعم، قد تكون هذه الإجراءات التي نشير إليها صعبة
التنفيذ، لأنّنا نواجه أزمة مالية في الوقت نفسه، ناتجة
عن انهيار أسعار النفط التي رافقت صعود أسهم «كورونا». ولكن، في ظل أزمة هذا الوباء،
ووجوب استمرار الحجر، بوصف ذلك يمثل خط الدفاع الأول والأقوى، لمواجهة الخطر، فإنّ الحال
هذه تتطلب توفير متطلبات البقاء في البيوت وفق ما تمّ الإشارة
إليه، حتى يغادرنا «كورونا»،
بعد أن نوصد أبوابنا بوجهه، فيضطر إلى الرحيل من دون رجعة.