فيروس كورونا هو أول صدمة حقيقية يتعرض لها القرن الحادي والعشرون. القرن العشرون تعرّض لصدمات كبرى، بدأت بالحرب العالمية الأولى (الحرب العظمى) العام 1914، والإنلفوزنا الإسبانية العام 1918، والحرب العالمية الثانية العام1939 ، وانهيار جدار برلين العام 1989، وسقوط الاتحاد السوفيتي العام 1992. بين هذه الصدمات التي أدى بعضها إلى مقتل عشرات الملايين من الناس (الإنلفونزا الإسبانية ربما قتلت 50 مليون إنسان، والحرب الأولى قتلت أكثر من 20 مليون، والثانية ربما زادت على الخمسين مليون) حصلت تحولات. لا أعرف تحولا كبيرا ترتب على الإنفلونزا الإسبانية على رغم خسائرها المرعبة إلّا ما طرأ على مستوى الأدوية واللقاحات. لكن الحرب الأولى أدّت إلى تقاسم النفوذ بالعالم، بدءاً من معاهدة سايكس ـ بيكو (1916)، وفرساي (1919)، وإنشاء عصبة الأمم التي فشلت في تأدية مهامها بدليل قيام الحرب العالمية الثانية. الحرب الثانية نتج عنها نظام القطبية الثنائية بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي، وإنشاء الأمم المتحدة وإنتاج القنبلة النووية. وعلى مدى أكثر من أربعة عقود من الزمن عشنا نظام القطبية الثنائية هذا حتى حرب النجوم التي شنّها رونالد ريغان ضد الإتحاد السوفيتي التي أنهت نظام القطبية وأدّت الى ولادة النظام العالمي الجديد.
بعد ولادة هذا النظام ولد معه ثلاثة مفكرين وكتاب، وهم كلّ من: فرانسيس فوكوياما، صاحب كتاب "نهاية التاريخ" وهي النظرية التي لم تصمد كثيرا حين أعلن موت الشيوعية والإشتراكية، وإنّ الإنسان الرأسمالي هو الإنسان الأخير. الثاني هو صموئيل هنتغتون صاحب نظرية "صدام الحضارات" حين عدّ الحروب المقبلة حروب ثقافات وحضارات، وهي فرضية على أهمية ما ورد فيها من أفكار ورؤى مستقبلية عميقة لكنها لم تعمر هي الأخرى كثيرا بعد أن ثبت أنّ الحروب التي قامت بعد ظهور تلك النظرية ليست بالضرورة حروب حضارات وثقافات. الكاتب الثالث هو توماس فريدمان الذي نظّر كثيرا للعولمة وعدّها الملاذ الأخير للإنسانية. وبموجب العولمة فإنّ العالم أصبح مسطحا. وبموجب العولمة فإنّ الصراع سيبقى بين أولئك الذين لا يؤمنون بالعولمة إذ سخر مثلا من الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين بوصفه على شجرة زيتون، بينما صنع العالم سيارة ليكزس، وقد ألّف كتابا بعنوان "السيارة ليكزس وشجرة الزيتون"، كما عدّ أن إيقونة العولمة هي مطاعم مكدونالدز. الآن، في ظل تفشّي فيروس كورونا، ما الذي يمكن أن نقوله للأساتذة فوكوياما وهنتنغون وفريدمان وعشرات غيرهم من كبار المفكرين والكتاب في العالم ممّن نظروا إلى العالم من ثقب الأوزون فقط. تكفل كورونا برتق الأوزون بعد أن فشلت كل مؤتمرات المناخ التي تعقدها دوريا الدول الكبرى. كورونا أجبر المعامل والمصانع والطائرات على التوقف فتنفست الأرض لكن حبس البشر أنفاسهم.
لكنَّ السؤال الذي قد تتأخر الإجابة عنه هو: هل غادر العالم العولمة إلى "كورنا" أم ما يزال في حالة صدمة، أو إذا تعاملنا مع المفردة مفاهيميا "صدمنة"؟ أشك أنّ بوسع أحد الإجابة الآن على هذا السؤال. كورونا تفشّى بسرعة مذهلة وما يزال يشكل خطرا كبيرا على البشرية، وعلاجه حتى اللحظة هو العزلة أو التباعد الإجتماعي؟ ماذا بعد نهاية العزلة؟ سؤال آخر يبقى باحثا عن إجابة، فالعالم يواجه أول تحد غير محسوب إذ يتساوى من حيث الهلع بوتين مع أبي الغاز, وترمب مع بائع الفرارات, والملكة إليزابيث مع حسنية العورة.