لحظة اغتيال روما

الصفحة الاخيرة 2020/04/05
...

عبدالهادي مهودر
 

لبعض صورنا وذكرياتنا علاقة بوباء كورونا قبل حلول زمانه ، فجأة وجدت ذلك ، ومنها صورة مع جوزيبي كونتي رئيس وزراء ايطاليا خلال زيارته الى بغداد منتصف عام 2019 .. هو صاحب العبارة الشهيرة ( التي لم يقلها مطلقاً ) ولكنها نسبت اليه رغماً عنه ( لقد فقدنا السيطرة على كورونا والامر متروك للسماء ).. ونحن ايضاً يا كونتي فقدنا السيطرة على صحة الاخبار والأمر متروك لسياسة القناة .. 
 صافحت السيد كونتي قبل أن تصاب روما وبغداد بكورونا و قبل أن تصبح المصافحة بين الناس عملاً محرماً دولياً ، وأحييك اليوم عن بعد فحييني .
ابتلي شعبه بكارثة لم يتوقعها احد وجاءت خارج طموحه وبرنامجه كتكنوقراط وبعيداً عن الاحلام التي بشر بها الايطاليين في بلد متقدم اقتصادياً وصحياً، انهارت اركانه بضربة فيروس .
ولد كونتي عام 1964 وهو سياسي ومحام وأستاذ قانون ، واصبح رئيس وزراء إيطاليا قبل عامين ، وكان يمكن ان يكون لاعب كرة لو لا اصابته ويكون ربما اشهر من الكابتن كونتي ، او نجماً من نجوم السينما الايطالية .
روما ناديه الكروي المفضل ومقر حكومته ايضاً ، حكم ايطاليا عندما كانت كل الطرق تؤدي الى روما وقبل ان تغلق كورونا كل الطرق المؤدية اليها،
وحسب التقارير لم تكن له علاقة بالاحزاب ولم يحتك مع زعمائها ولا حتى القيادات الحزبية المحلية وهذا ما عزز رصيده الشعبي لكنه لايخفي ميوله اليسارية وللحركة التي ادخلته عالم السياسة ، لكن كيف نصدق ان كونتي الوديع وصل لسدة الحكم في دولة احزاب ومافيات لكفاءته وكيف احتل كرسي سيليفيو برلسكوني بهذه السهولة؟
في أزمة كورونا حذر رئيس الوزراء الايطالي كونتي من سقوط الاتحاد الأوروبي، وتساءل :هل نريد أن نكون على مستوى هذا التحدي؟ ، وكانت له مواجهة شديدة وصريحة مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وعن هذا الخلاف قال اني أمثل بلداً يعاني كثيراً ولا يمكن أن أسمح لنفسي بالمماطلة، فإذا لم تُثبت أوروبا أنها على مستوى هذا التحدي غير المسبوق، فإن التكتل الأوروبي بكامله قد يفقد وجوده بنظر مواطنينا .
هذا التصريح الصادق الذي لم نكترث له كان اخطر من التصريح الكاذب عن فقدان السيطرة على كورونا وترك الامور للسماء ، الذي صدقناه .
ايطاليا المتقدمة كانت يوماً ما مجزأة وساحة حرب رغم ان لها حدوداً يمكن وصفها بالرومانسية مع فرنسا وسويسرا والنمسا وسلوفينيا ولكن الفيروس اللعين شوه هذه الحدود الى ابعد الحدود ، وكانت ايطاليا عنواناً لعصر النهضة وبلد الفلاسفة والفنانين ومايكل انجلو ، وايطاليا اليوم دولة جريحة تترنح تحت سوط كورونا مثل بقية دول العالم وأكثر ، وكونتي في روما اليوم يصارع طواحين الهواء مصدوماً من اقرب الاصدقاء ، وفي لحظة اغتيال روما كلحظة اغتيال قيصر لسان حاله يقول : حتى انت يابروتس؟.