عالية طالب
حين تستمع لصوت شعري شاب دون ان ينتابك الملل أو تصحيح الكلمات أو انتظار انتهاء القصيدة، فأن ذلك يعني انك في حضرة " الشعر" الحقيقي.. شعراء شباب اكتملت حلقتهم من اغلب محافظات العراق برعاية رابطة بصرية تحمل اسم الشاعر ورجل الدين والفقيه " مصطفى جمال الدين" وبدعم مالي من وزارة الثقافة اسهم بفاعلية منظمة في انجاح الفعالية بجدارة وحرص وتفاني جهود الرابطة وفريق الوزارة المرافق بحرص شديد ، كل هذا أنتج فعالية اثبتت ان للشعراء الشباب حصة مميزة من اهتمام جيل سبقهم ، ورغبة اكيدة في افساح مجال المنصات لابداعهم وسماع اصواتهم التي اكدت ان المشهد الشعري الشبابي يسير بخطى رصينة باتجاه بوصلة التجديد والبصمة الخاصة لتجارب ناضجة رغم تجربتها القصيرة.
كنت ارقب حركة الجغرافيا والتاريخ والسياسة والواقع المجتمعي في قصائدهم، فأجد قدرة مميزة على الامساك بالصورة الشعرية الباذخة وتطويع اللغة لتدلق مدلولات تتسع مع كل بيت جديد، امتزج الشعر العمودي بالشعر الحر بقصيدة النثر فجاءت تجربة "القصيدة السردية" لتجعل للقصة الشعرية مساحة لقول كلمة متجددة وهي تتخذ شكل الضوء والروح والحيوان والانسان والمكان والصوت وحركة الاجساد وثنائية الموت والحياة والانبعاث والركام ، وتجمع كل هذا لتصف عراقا مر بأزماته وما زال ينتظر التغيير بصبر يقترب من طاقة الانبياء الجدد ، وهؤلاء لا يمكن لنا الا ان نقول انهم سيبعثون من جديد ليعيدوا ترتيب الحيوات كما يليق بها ان تكون بعيدا عن الحقد والاقصاء والخوف وتوجس خطوة المتربص بالحياة مهما اختلفت اساليب تواجده ومساحته وقسوة ادواته.
عراق يعيد انتاج الحياة بصور متعددة ثقافيا واجتماعيا وابداعيا ، يحق له ان يطمئن بأن هناك من سيكمل المشوار برصانة الكلمة المبدعة وليس باسفاف الكلمة الهابطة. كنت استمع اليهم وهم يزخرفون المكان باحلامهم وواقعية الحق المدني والقانوني والاجتماعي والانساني، بأن تكون لهم كلمتهم ودورهم في خارطة العراق حيثما امتدت وكيفما تغلغلت، لم يكونوا اداة لاحد ولا بوقا لظاهرة ولا سوطا لجلد الذات بل كانت لهم منطقتهم الحرة بتأشير ثغرة امتصاص الحياة التي يقفون بصلابة لردمها والتصدي الواعي لعدم نموها من جديد.
صوت الشاعرة الشابة امتزج بموسيقى الانثى الواعية التي لا يمكن لها ان تقبل بالتغييب يوما حتى وان واجهت مصدات لا تحصى، شاعرة تعرف كيف تغوص في الارض لتخرج بأبهى كنوز يمكن ان تلتقطها بعذرية الاكتشاف النقي، لم تكن الشاعرة متخاذلة ولا صامتة بنصها بل كان صوتها قادرا على انتاج مساحة غير منفصلة عن الاخر وليست في جزيرة تخشى فيها مجهولا يأتيها من ظلام اراد الكثيرون اسباغه على منطقتها فأثبتت انها اقوى من اية عواصف زائلة.
ما فعله مهرجان " المحبة والجمال" يجعلنا نطالب ليس بالبصرة فقط بل كل محافظات العراق بالبحث عن المواهب وتشجيعها وعدم التوقف عند اية مصدات قد تنبع من قصور رؤية أو محاولات وضع عصا في الدواليب ، فالزبد يذهب جفاء دائما ولا يستمر غير صوت الموج وهو يدلق للشاطئ لؤلؤ العراق الاصيل.