محمد شريف ابو ميسم
في ظل المعطيات التي فرضتها جائحة كورونا على العالم، بات الحديث عن احتمالات استمرار حالة الاغلاق في البلدان المصدرة للمنتجات الزراعية الاساسية، او احتمالات استمرار التلكؤ في تجارة المنتجات الغذائية خوفا من توسع نطاق الجائحة، يجر الى سلسلة من المخاوف في نطاق حدود الدولة غير القادرة على تحقيق الامن الغذائي لشعبها.
والامن الغذائي، مفهوم اقتصادي يراد به التعبير عن ضمان حصول جميع الافراد وفي جميع الاوقات على الغذاء بشكل كاف، وحين يكونانتاج الغذاء داخل حدود الدولة يعادل او يفوق الطلب المحلي، يوصفالامن الغذائي بالمطلق، بينما يوصف بالنسبي حين تكون قدرة دولة ماعلى توفير السلع والمواد الغذائية جزئية.
وعادة ما يكون تحقيق الامنالغذائي نسبيا في عموم الدول بسبب صعوبة توفير مقومات انتاج جميع السلع الغذائية داخل حدود الدولة الواحدة، فتتكامل الدولة مع جيرانهااو مع دول اخرى في سبيل تلبية الطلب المحلي على سلع بعينها.
وترتبط معايير الامن الغذائي بحسب المنظمات الدولية ارتباطا وثيقابمستويات الفقر، ويبرز ايضا في البيانات المتعلقة بنقص التغذية، فيعبر عن الفقر المدقع بالافتقار الى الاغذية من خلال نسبة الاسر العاجزة عن تامين ادنى المتطلبات الغذائية حتى ولو انفقت كامل ميزانيتها على الاغذية.
ومن نعم الله على بلادنا، "برغم التداعيات التي لحقت بالقطاع الزراعي خلال الاربعة عقود الماضية" ان تكون ارض العراق متنوعة بتضاريسها ومناخها وبيئاتها، ومعطاء بوفرة المنتجات الزراعية بشقيهاالنباتي والحيواني على الرغم من كل مالحق بها، وقد تجلت هذه الحقيقة في مرحلة الحصار الذي تعرض له الشعب العراقي ابان تسعينيات القرن الماضي، ما يعني ان هذه البلاد قادرة على انتاج المواد الغذائيةالاساسية مثل الحبوب، واللحوم، ومنتجات الالبان في اسواالظروف،وبالتالي امكانية تحقيق الامن الغذائي النسبي بهمة العاملين في القطاع الزراعي وحسن ادارة الجهات القطاعية، وهذا ما حصل فعلا خلال السنوات الاخيرة والذي تجلت نتائجه على المعروض السلعي في الاسواق المحلية، حيث ظهرت منتجات الخضر لتغطي الاسواق وتزيح المستورد، وباتت البلاد مكتفية ذاتيا بنحو 25 محصولا زراعيا بحسب وزارة الزراعة، ووصلت معدلات انتاج القمح (وهو المادة الاساسية في الظروف الاستثنائية) الى مستويات تتجاوز 4 ملايين طن سنويا وهو ما يغطي الطلب المحلي، فيما شهد الانتاج الحيواني مستويات تصاعدية تؤكد صحتها معدلات نحر المجترات الهائلة سنويا في المناسبات الدينية والاجتماعية التي لا تعتمد المستورد في الاستهلاك، فضلا عن النجاحات المتحققة مؤخرا في حلقة صناعة الدواجن وانتاج بيض المائدة والالبان، وللحق فان كل هذا لم يكن لو لا جهود القائمين على الوزارات والنقابات والاتحادات القطاعية، وبالتالي لا يمكن في هذه الظروف الاالاشادة بهذه الجهود وتكريس النجاحات فيها في ظل هذه الجائحة لتكون هذه الازمة منعطفا حقيقيا لمرحلة جديدة يمكن من خلالها تحقيق الامن الغذائي والاكتفاء الذاتي بما يعزز سيادة البلاد بعد ان اصبح هذاالمفهوم جزءا من الامن المجتمعي والسيادة الوطنية.