{الصفوف الافتراضيَّة}.. تعليم الأزمات

اسرة ومجتمع 2020/04/18
...

بغداد/ سرور العلي/ ذو الفقار يوسف 
 

في محاولة لإنقاذ الموسم الدراسي من الضياع بعد غلق المدارس والجامعات والمعاهد وفرض حظر التجوال بسبب أزمة "كورونا"، لجأ عدة مدرسين ومتطوعين لبث المواد التعليميَّة للطلبة عبر الانترنت. وأوضح الدكتور عارف الساعدي، تدريسي في الجامعة المستنصرية بأن "العديد من الحواجز قد جعلت من التعليم عن بعد هماً آخر يضاف إلى هموم التعليم 
بالبلد".

لافتاً إلى أنه "بسبب الظروف التي نمرُّ بها وتوقف العمليَّة التعليميَّة جراء الحجر الوقائي، بدأت التعليمات تصب علينا من وزارة التعليم العالي، ومن الجامعات والكليات ورؤساء الأقسام بأنْ يقوم كل تدريسي بتسجيل محاضرات ومن ثم رفعها على موقع جديد اسمه (كلاس روم)، بعد ذلك تغير الأمر إلى أنْ يقوم كل تدريسي بفتح قناة على اليوتيوب ورفع تلك المحاضرات، والواقع إنَّ التعليم الإلكتروني لن ينجح إلا في الدول التي تعتمد الحوكمة بشكل كامل، والحقيقة لا يمكن أنْ نجني ثمار التعليم عن بعد ما دمنا في نظام عام لا يعتمد التقنيات وما زال الورق هو عماده الرئيس".
وأكد الساعدي "وقت المحاضرة المطلوب من كل تدريسي تصويرها هي خمس دقائق، ولا يمكن تسجيل أكثر من هذا الوقت، والواقع هذه فكرة غير معقولة، لأننا ندرس طلابنا بمحاضرة لا تقل عن ساعة وربع وبالنتيجة لا نحصل على عشرة بالمئة من الطلاب الذين يتفاعلون مع الدرس، فكيف بخمس دقائق، فضلاً عن أنَّ عدداً لا يستهان به من أساتذتنا لا يجيدون التقنيات الحديثة، وليس لهم قنوات على اليوتيوب وحتى لا يملكون صفحة على الفيسبوك، ولكنَّ محاضراتهم لا يعادلها شيء علماً وفهماً وذوقاً، إلا أنهم فاشلون في التعليم الإلكتروني، وأبسط تدريسي ليس له باعٌ في العلم والمعرفة المختص بها، ولكنه جيدٌ في التقنيات وسيكون أفضل من أساتذته".
وأضاف "وكما يقول صديقي الشاعر والدكتور اللبناني مهدي منصور إنَّ التعليم عن بعد يشبه علاقة الحب الافتراضيَّة التي لا يمكن من خلالها أنْ ينجبوا طفلاً عن بعد، كذلك التعليم عن بعد فإنَّه لن يفي بالغرض".
 
ورش مجانيَّة
وقال التدريسي لمادة اللغة الانكليزية غيث حامد: "مع بداية جائحة كورونا، أحببت أنْ أقدم ورشاً مجانية لتعلم كيفيَّة إنشاء صفوفٍ افتراضيَّة تفاعليَّة (اون لاين) مع الطلبة، نظراً للظروف وبالفعل عرضنا عدة ورش بمختلف المدارس، وأصبح الكثير من المدرسين يتواصون مع طلبتهم بالصوت والصورة لشرح المواد، وعلى سبورة يوفرها تطبيق تعلموا استخدامه".
وتابع "في الوقت الحالي مهمتي هي بث الدروس بشكلٍ مباشر، ومجاني لاستغلال وقت الطلبة في إكمال المنهج التعليمي".
وتحدث التدريسي لمادة الرياضيات، ومعاون مدرسة الرجاء الابتدائية في بغداد، قحطان عبد القادر الطائي: "لتذليل العقبات وتوصيل المادة العلميَّة لأبنائنا التلاميذ عبر الروابط الإلكترونية الخاصة بإدارة المدرسة، وبتشجيع خاص من مديرة المدرسة، قمت بتدريس مادة الرياضيات باذلاً كل ما هو باستطاعتي من أجل إنجاح هذه التجربة، وعلى قناتي في اليوتيوب والتي تم افتتاحها سنة 2018، وكان الإقبال عليها كبيراً جداً من قبل التلاميذ في محافظات العراق كافة، وكان للتشجيع الذي حصلت عليه أثرٌ في إصدار مرشحات للأعوام 2018 و2019 ، وكانت نسبة نجاحها 80 و85 %، وحصولي على نسبة نجاح 100 في تدريس مادة الرياضيات".
وتابع الطائي: "كانت هذه الفكرة لاختبار التلاميذ ومعرفة نسبة فهمهم واستيعابهم للمادة، وأيضاً تشجيعهم على التعليم ونشر درجاتهم في مواقعنا على اليوتيوب والفيسبوك، إذ وصل عدد الممتحنين في المرحلة الأولى 5000 تلميذ، وفي الاختبار الثاني 6000 تلميذ، وكان المشتركون من العراق وبعض الدول العربيَّة ومنها الأردن وتركيا".
 
ضعف الانترنت
ويبين الخبير التربوي أحمد كنعان: "تنتاب العمليَّة التعليميَّة عبر شبكة الانترنت عدة سلبيات أهمها، ضعف سرعة الانترنت في أغلب البلدان، وعدة مشكلات تقنيَّة وثغرات في الأدوات الرقميَّة المستخدمة، كما أنَّ هناك مدرسين غير أكفاء لطرح المادة التدريسيَّة عبر المنصات، إذ ينحصر نشاطهم داخل الفصل الدراسي التقليدي، ما يخلق مساحة كبيرة للتباعد الاجتماعي بين التلاميذ، وتخريج طلبة غير أكفاء".
وأضاف كنعان: "على الدولة التي تعتمد على التعليم عن بعد أنْ تستعدَّ لاستخدام هذه الوسيلة وتدريب المدرسين والمعلمين عليها، وتهيئة الطلبة للتأقلم معها واستخدامها بطريقة سهلة وصحيحة، وتوفير الإمكانيات التقنية والمعلوماتية، وتتفاوت الدول، لا سيما العربية في طرقها للتعليم بحسب إمكانية كل دولة ومستلزماتها".
واقترح كنعان على أولياء الأمور "تثقيف أنفسهم، ووضع خطة لإنجاح العمليَّة التعليميَّة عن بعد، وقيامهم بدورهم الفعال في تعليم أبنائهم، والتواصل مع المعلمين عبر مواقع التواصل الاجتماعي للاستفادة من الدروس والمناهج، وعرض المادة من قبل المدرسين على شكل فيديوهات وطرح الأسئلة والأجوبة، وإنشاء مكتبة إلكترونيَّة تضم جميع الفصول التعليميَّة ليتسنى للطلبة العودة لها متى ما يرغبون".
وأشار إلى "تصميم محتوى رقمي وأقسام افتراضيَّة جيدة، والاستعانة بأناسٍ على مستوى عالٍ من المهارة، وتوفير جميع الوسائل الإيضاحيَّة، سواء كانت سمعيّة أو بصريّة أو رسوماً متحركة".
 
أبناء الريف
وتساءلت الشابة بتول عادل (طالبة جامعية): "يتهرب معظم الطلبة من الصفوف التقليديَّة والفعليَّة، ما الذي يدفعه للتواجد عبر منصات التعليم عن بعد؟ مع توفر الكثير من المغريات".
ولفت الثلاثيني عمار سالم (موظف) إلى أنَّ "بعض التلاميذ لا تتوفر لهم خدمة الانترنت بل حتى لا يملكون هواتف ذكيَّة وبخاصة أبناء الريف، وانقطاع التيار الكهربائي المتكرر، كما أنَّ بعض المعلمين يفتقدون لمهارة استخدام الانترنت بصورة صحيحة ومستواهم متدنٍ في التقنيات"، وأضاف "من جانب آخر غياب التفاعل بين الطالب والمعلم، ومناقشة الأسئلة والأجوبة له". وترى نورس عثمان (تدريسيَّة للمراحل المنتهية لمادة الكيمياء) أنَّ "التعليم الالكتروني يلعب دوراً مهماً في تنمية مهارات الطلبة في التعامل مع مواقع التواصل، وتجنب الملل في القاعات الدراسيَّة، وغياب روتين الذهاب إلى المدرسة والجامعة الذي يعده طلاب كثيرون أشبه بالتجنيد الإلزامي، والتعليم عن بعد يعدُّ أكثر جذباً وتفاعلاً من عملية التلقين والحفظ".
وتابعت عثمان "لتتم العملية التعليميَّة عبر المنصات على الأسرة توفير جوٍ مريحٍ وملائمٍ لأبنائها بعيداً عن التوتر، وتتبع المنهج الدراسي لهم بشكلٍ يومي، لا سيما المواد الأساسيَّة والضروريَّة كالرياضيات والفيزياء واللغة الانكليزيَّة، ووضع قواعد تعليم".
 
مسؤوليَّة الأهل
وتؤكد التدريسيَّة أحلام نجم: أنَّ "على الأهل مسؤوليَّة كبيرة أيضاً في تعليم الأبناء ومتابعة آخر تطورات المادة التدريسيَّة، ولا يقع العبء على الأساتذة فقط".
واقترحت "على الحكومة إتاحة حلقات تلفزيونيَّة للأسر التي لا تملك الانترنت لوصول الدروس لجميع الطلبة، وجعل الخدمة مجانيَّة". وبينت نجم "لم تكنْ تجربة التعليم الإلكتروني جديدة بل كانت متبعة في أغلب دول العالم، وهي تجربة ناجحة في وقت الأزمات، وكحلٍ بديل لغياب الطلبة عن مقاعد الدراسة، ويرفع المستويات الثقافيَّة والعلميَّة للتلاميذ، ويوفر الوقت والجهد، ويتيح للطلبة الوصول السريع للمدرس خارج وقت العمل الرسمي، ويجعلهم يتعلمون وقت ما يشاؤون، وتقليص الزمن، ويترك أثراً في المتعلم أكثر من التعليم التقليدي".
وتقول روان منير (أم لطفلين): "إنه عصر التحول الرقمي في التعليم، أحرص بشكلٍ يومي على مواظبة حصص طفلي وأخصص لهما أوقاتاً للراحة واللعب، وأتواصل من حين لآخر مع إدارة مدرستهم للاطلاع على آخر المستجدات".
وتشكو الأربعينية ماجدة حسن (أم لأربعة أولاد) من "مشكلة تنظيم وقت متابعة أولادها وامتلاك جهاز حاسوب واحدٍ، وعدم فهمهم للمواد عن بعد وغياب المعلم الذي له الدور التفاعلي الأكبر".
ويبدو باقر عصام، (طالب في الصف السادس ابتدائي) "سعيداً بعدم ذهابه إلى المدرسة، لا سيما أنه يتملكه الخجل من المعلمين، ومشاركة أقرانه في القاعة الدراسيَّة".
بينما قال زميله حسن ياسين: "يحرصُ والدي على تعليمي، بوضع المعلمين الخصوصيين لإكمال المنهج".