قصص في التربية على الدولة المدنية

آراء 2020/04/19
...

أ.د عامر حسن فياض 
 
بصفتي معلما، أتلذذ بمذاق مهنة التربية والتعليم، أحرص على قصّ القصص ذات الصلة بالدولة المدنية وحكمها الرشيد من جهة والتربية على الدولة المدنية من جهة اخرى، قبل ذلك هل نريد تربية لبناء دولة مدنية ام نريد دولة مدنية التربية فيها هي تربية على الدولة المدنية ؟ بكل الأحوال نريد الدولة الصالحة التي تولد من رحم معافى هو مجتمع مدني خال من التشوهات، يصعب تلمسه في مجتمعاتنا، التي تعاني من أوجاع أدت الى غضب عبرت وتعبر عنه حركات احتجاجية تتلاعب بها ثلاثة خطابات رئيسة تتفرع عنها خطابات فرعية هي:
- خطاب الخارج الدولي والاقليمي.الاول الدولي الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة الاميركية واتباعها يهدف من الحركات الاحتجاجية تدمير الدولة الوطنية واشاعة الفوضى واللا استقرار وتوظيف الغضب توظيفا غير بريء، وصولا الى حكومات تخاصم ايران وتشيطنها، والثاني الاقليمي الذي تقوده ايران واذرعها الحليفة تريد حكومات تشيطن الولايات المتحدة الاميركية ولا تخاصم ايران .
- خطاب الداخل السياسي الذي تتمسك به قوى سياسية متنفذه تعمل على البقاء ضمن نظام سياسي تتحكم فيه منظومة الجهوية الضيقة والفساد بكل ضروبه واشكاله ترافقها بتنسيق او بدونه قوى التوق الى الماضي (النستولوجي ) ويهدف هذا الخطاب العودة الى الوراء وخصومة حاضر الديمقراطية الناشئة وكراهية المستقبل .
- خطاب المستقبل الذي تتبناه قوى المحتجين السلميين وهو خطاب الدولة المدنية التي تريد حكومات بديلة هي حكومات اصلاح وتغيير وتقويم مسار التحول الى دولة مدنية ...
وفي كل الاحوال وحيث ان الدولة المدنية هي معطية من معطيات الحداثة كما يرى (هيجل )، وبما أن تاريخنا الحاضر هو ماضي الغرب في ما يتعلق بفلسفة الدولة المدنية ونظرياتها، فإن الدولة المدنية عندنا لا تزال حلم اذا تواضعنا القول وهي مشروع لم يتحقق بعد اذا تجاسرنا القول ...وهذا ما يبرر حاجتنا الى التربية على الدولة المدنية وقصص عنها ومن اجلها.
 
(1)
قصة الحكم الصالح
قديما اجاب الحكيم الصيني عن سؤال يتعلق بماهية ركائز الحكم الصالح بالقول: إنه الحكم الذي يقوم على ( جند وقوت وثقة ) . فالجند يعني الحكم القوي. والقوي يعني الحكم الذي يكافح الجوع. والثقة تعني المقبولية المتبادلة بين الحاكم والمحكوم، ثم اضاف ان الحكم الصالح يبقى صالحا اذا افتقد الجند ليبقي صالحا بفعل القوت والثقة، ثم اضاف ان الحكم يبقى صالحا اذا افتقد الى القوت ليبقى صالحا يفعل الثقة المتبادلة بين الحاكم المحكوم – وعندما قيل له كيف يبقى صالحا وقد افتقد الى ركيزتين مما اشترطت؟ فاجاب لأن الثقة بين الحكم والمحكوم مثلها مثل الحصان الذي يجر عربة الخيرات، هي الجالبة للقوة وهي القادرة على طرد الجوع.. 
 
(2)
قصة السياج الثاني للمدن
ذهبت الحكمة اليونانية الى ضرورة ان يكون لدويلات المدن اسيجة وقلاع صخرية تحميها، ومرة اجاب الحكيم اليوناني القديم ان المدنية بحاجة الى سور ثان فضجر سامعيه، حيث استحضروا شقاء وضحايا وتضحيات وخسائر بناء سور المدنية الصخري والحجري المرهق، متسارع الحكيم الى ردهم بان السور الثاني للمدنية ليس صخريا ولا حجريا انما هو القانون.. وحقا ان كل مدنية تحرص على حماية ارضها ومياهها وسمائها وساكنيها من كل الشرور تحتاج ان تتحصن بالقانون ومتعلقاته بالسن السليم للقانون والالتزام بتنفيذه وحسن تطبيقه، وتلك قصة من الماضى يحتاجها الحاضر تحكيها مع امنياتنا بان مدن المستقبل ستعيشها.
 
(3)
قصة التاريخ
 كل الشعوب ينبغي ان تحترم موروثاتها وتغني وتتغنى وتغتني بمآثرها التاريخية ذات المنفعة حينها وما بعد حينها للانسانية، وهي بهذه الحالة تستحضر التاريخ لا تسترجعه وتغادره لاتعيش فيه ولا تعتاش عليه، ومن حقها ان تعتاش من يملك موروثا سياحيا بمردود مفيد لاجل الحاضر، ومستقبلا لأجل الاحياء ومن بعدهم، لا لأجل الاموات ومن مضى قبلهم، ودون ذلك فإن استرجاع التاريخ من دون استحضاره، يعني مراوحة في حاضر الماضي، الذي لايمكن ان يعود، كما يعني كراهية للمستقبل، الذي ينبغي ان نتفنن في عشقه والتحضير له وصناعة حضنا أمنا ونافعا للابناء ومن بعدهم الاحفاد.
 
(4)
قصة الحق والحرية
متى نتلمس الحق ونتذوق الحرية؟ يتوهم من يصدق ان حصوله على وجبة الحق والحرية، التي يشتهيها الانسان عبر العصور تأتي بالسماع بها او بالحديث فيها او بالدردشة عنها، ويخدع من يتصور ان امتلاكه للحق والحرية يتأتى بالتمني او التأمل او الدعاء، ومسكين من يتوقع ان يعيش في ظل الحق والحرية تحت رعاية مانح لهما او متصدق بهما.. 
اذن متى سنتلمس الحق ونتذوق الحرية؟ إن التلمس والتذوق والامتلاك والعيش بالحق والحرية يستوجب ضمان وتنظيم وتمكين، فالحق والحرية ومضمونة بدستور ( دسترة الحقوق والحريات)، ومنظمة بقانون (قوننة الحقوق والحريات )، وممكنة بمؤسسات (مأسسة الحقوق والحريات)وغير تلك الثلاثية المتلازمة عيش صديقي الانسان من دون أن نتلمس الحق ومن دون أن تتذوق 
الحرية.