في شهر رمضان، المبارك الذي ينقطع فيه المسلم الصائم الى ربّه عائذا بحرمة هذا الشهر الكريم، طالبا الفوز برضا الله تعالى وعفوه، في شهر رمضان الكريم تتوارد الأسئلة في ما يتعلق بقضايا مختلف حولها بين المسلمين، اختلافا لا يفسد في الود فيما بينهم قضية، عندما ينظر اليه على أنه تعدد رؤيا لا تخدش في قدسية الهدف من الصوم، ولا تؤثر في نية الصوم المبنية على طاعة الله تعالى، والامتثال لامره جل وعلا، بل ان في الاختلاف مصلحة، لانه يعدد السبل الى الهدف الواحد، فيحرر المسلم من عسر الخيار الواحد، ويضعه في يسر الخيارات المتعددة، المبرئة لذمته من هذه الفريضة الواجبة.
من الاسئلة المتواردة في القضايا المختلف حولها سؤال السفر الذي يبيح للصائم الافطار، فقد اختلف الفقهاء في هل كون الافطار في السفر رخصة ام عزيمة، فذهب عموم فقهاء الشيعة وبعض السنة الى انه عزيمة، وهذا يعني ان الافطار واجب على المسافر، وذهب معظم جمهور فقهاء السنة الى انه رخصة، وهذا يعني ان المسلم المسافر مخيّر بين الصوم والافطار، وقد ساق كلّ طرف ادلته على ما ذهب اليه، وهذا يعني ان الذي قال بأن افطار المسافر عزيمة، انما استند فيما ذهب اليه الى ادلة من الكتاب الكريم والسنة الشريفة، وكذلك فعل من ذهب الى ان افطار المسافر رخصة.
وبما ان الدين يقوم على مبدأ لا يمكن مخالفته، مفاده ان الله تعالى لم يفرض على عباده عبادته فحسب، بل فرض عليهم ايضا كيفية العبادة، وهذه الكيفية اما ان تكون قد جاءت مبينة في القران الكريم، او بيّنتها السنة الشريفة، فكان هم المسلم ان يعبد الله تعالى بالكيفية التي أمر بها، سواء كانت هذه الكيفية مبيّنة في القرآن الكريم او ان بيانها قد جاء في سنة رسول الله (ص). وعليه فالذي عليه العمل أن الافطار في السفر إن كان عزيمة او رخصة، وجاء سلوكه على وفق اعتقاده قد برأ ذمته ان شاء الله، فلا الذي يقول بالعزيمة يخطئ الذي يقول بالرخصة، ولا الذي يقول بالرخصة يخطئ الذي يقول بالعزيمة، لان كلاهما، وعلى ما هو ظاهر، باحث عن الكيفية التي تجعله ممتثلا لامر ربه، والله تعالى اعلم، وما هو خلاف ذلك فهو ادعاء لا مرجح له.
لكن العقدة في السفر الملزم او المرخص بالافطار تكمن في المسافة، فالروايات في ما يتعلق بهذا الامر يمكن حصرها في ثلاثة اتجاهات، الأوّل هو التحديد بالمسافة، وتقدر بخمسة واربعين كيلومترا ذهابا وايابا عند الشيعة، وثمانين كيلومترا عند السنة، والثاني هو التحديد بالزمن، ويقدر ببياض يوم، اي تكون مدة السفر مقدار نهار او ليل، ولنقل نصف يوم، اي اثنتي عشرة ساعة، والثالث بهما معا، اي بالمسافة والزمن، وعندما نتوقف عند التحديد بالمسافة والزمان، نجد ان التوضيح الذي ينبني عليه التحديد، يقوم على ان قطع مسافة ثمانية فراسخ تستغرق بياض يوم، اي من شروق الشمس الى غروبها، فيبدو ان المقصود من السفر الذي يلزم الصائم او يبيح له الافطار، هو ليس قطع مسافة مقدرة بثمانية فراسخ، وانما هو الترحال مدة تقدر ببياض نهار، ربما يعني طوال النهار، او طوال الليل، او نصف يوم، اي اثنتي عشرة ساعة على اقل تقدير.