رضا المحمداوي
مع التطوّر التكنولوجي الذي شَهَدتْهُ حقول العمل التلفزيوني، خاصةً الاجهزة والمُعِّدات الداخلة في عمليات التصوير والمونتاج، واستحداث جماليات الإنتاج الدرامي سواء على صعيد استعارة واستخدام الأساليب والأدوات الفنية السينمائية التي استقرّتْ منذ سنوات في إنتاج الفيلم السينمائي الروائي المعروف ، أو على صعيد مواكبة مخرجي الدراما التلفزيونية للأساليب الحديثة واستخدام التقنيات الفنية الجديدة في تجسيد رؤاهم الإخراجية في تعاملهم ومعالجتهم للنصوص الدرامية . هذهِ المُستجدات وغيرها عَمَلتْ على توسيع أُفق النظرة الى نمط (التمثيلية) التلفزيونية التقليدية بطرازها وإطارها القديم الذي عهدناهُ طوال سنوات عدة، ودَفَعَتْ بها لكي تغادر محطتها الصغيرة الضيَّقة وتنتقل الى مديات فنية متطورة اقتربتْ بواسطتها الى حدود الفيلم السينمائي المُخَصّص للعرض التلفزيوني، وهو النمط الانتاجي الذي ابتكرتْهُ بعض الشركات والقنوات الاميركية التي أنتجتْ أفلاماً بتقنيات سينمائية من أجل عرضها على شاشة التلفزيون نتيجةً لحاجتها الماسّة لتلك المادة الفنية المطلوبة .
وكان (تلفزيون بغداد) في أَوآخر سبعينيات القرن الماضي قد سجّلَ قفزة نوعيةً كبيرةً بإنتاجهِ لأفلام تلفزيونية بتقنية سينمائية مثل فيلم(اللوحة) وفيلم(البندول)لمؤلفهما: معاذ يوسف،ومخرجهما: كارلو هارتيون.ولا بُدَّ من التأكيد ،هنا، بأنَّ هذه الأفلام الأخيرة قد تمَّ تصويرها بكاميرا سينمائية تستخدم الفيلم السينمائي الخام(السليليوز) وتم تحميضها وطبعها بالمختبرات السينمائية، وكذلك تم مونتاجها على جهاز(المفيولا)السينمائي. وفي تسعينيات القرن الماضي ونتيجةً لتوقف عجلة الإنتاج السينمائي العراقي عَمَدتْ بعض الجهات الفنية والشركات الفنية إلى إنتاج افلام تلفزيونية بتقنية (الفيديو) لكنها مُخصّصة للعرض في صالات السينما بواسطة عارضة فيديو تلفزيونية ولذا شاعت تسميتها ب(أفلام السكرين) وقد أصابتْ بعض تلك الافلام إقبالاً جماهيرياً بحدود ضيقة من قبل جمهور متذبذب .وجميع هذه الافلام ذات توجّه تجاري فيه الكثير من الإسفاف والتدني على كافة المستويات الفنية، وقد شنّتْ الصحافة الفنية آنذاك هجوماً لاذعاً على تلك الافلام وصانعيها وطعنتْ في الكثير من مُقوّمات إنتاجها ، فما كان من وزارة الثقافة والاعلام في تلك الحقبة إلاّ أن أصدرتْ أمراً بمنع هذه الأفلام وإيقاف جميع الموافقات والتصاريح الرسمية بإنتاجها.
وفي ظل أزمة الإنتاج الدرامي المُستفحلة منذ أربعة أعوام كان يمكن للفيلم التلفزيوني أنْ يسدَّ ولو جزءاً صغيراً من غياب الدراما العراقية، خاصةً إذا أردنا لهذا الفيلم أنْ يكون فيلماً جاداً وملتزما فنياً ويتبّنى قضيةً اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية عامة تلك التي تعرّضَ المجتمع جرّاءها الى هزات كبيرة من مثل موضوعة الإِرهاب والحرب ضد العصابات الارهابية وتداعياتها، وكذلك موضوع الفساد الذي تعاني منه الدولة والمجتمع على حدٍّ سواء، فضلاً عن موضوعات انتشار العنف، وازدياد نسبة الجريمة، وقضية المُخدِّرات، وظاهرة الطلاق وحالاته المتزايدة، والبطالة، وتدنّي المستوى التعليمي وغيرها ...
ومع هذه الأفكار والموضوعات وغيرها الكثير يمكن للفيلم التلفزيوني أن يتواصل مع جمهورِهِ بسخونةٍ مُستمدةٍ من حرارة الأفكار المطروحة نفسها، وأن يُكرَّس وجودَهُ وحضورَهُ الفني بكلِّ حيويةٍ وتفاعل .