لم ينس الحاج مرتضى المهداوي الذي بلغ الثمانين من عمره العادات والتقاليد التي كان يشهدها شهر رمضان في العديد من الأحياء الشعبيَّة في مدينة الحلة، لا سيما تلك التي أنشئت في بداية العقد العشريني من القرن الماضي مثل العكود والمهدية والجامعين الذي يطل ببيوتاته على نهر الفرات حيث الشناشيل الجميلة التي دثرها النسيان ولم تطلها يد الحكومة المحلية بالتعمير رغم ما تشكله من إرث حضاري وتاريخي جميل.
يقول المهداوي لـ"الصباح": إنَّ "أجمل ما في تقاليد رمضان هي ذكر الفقراء والأسر المحتاجة، إذ يتم تجهيزهم بالتمويل الغذائي قبل أسبوع تقريباً من بداية الشهر الفضيل كما تقام لهم ولائم خاصة في الأزقة والحارات من قبل الميسورين من تجار التمور والحبوب وأتذكر أنَّ أحداً من تجار محافظة الرمادي الذي كان يتردد على مدينة الحلة في ذلك الزمان لغرض استيراد الحبوب والذرة الصفراء كان يقيم قرابة عشرة أيام قريباً من تلك الأزقة من أجل إقامة ولائم الإفطار، حتى أنه في نهاية الأمر تزوج امرأة من تلك الأحياء وأنجبت له أولاداً وبناتاً ما زالوا يسيرون على نهجه الصالح طيلة الشهر الفضيل".
بينما تتذكر معنا الحاجة أم محمد صاحبة السبعين عاماً، كيف كان الصائمون يغضون الطرف ويحترمون الجيران في تلك الأزقة الضيقة، ومن جانب الفكاهة أتذكر أنَّ الحاج عباس أبو التمن الذي كان جارناً في ذلك الوقت كان قد خرج من داره وفي منتصف الطريق التقت به زوجته التي جلبت لنا ما قسمه الله من فطور فسألته (ها حجّي خيرك شو مستعجل)، فرد عليها (لا أختي ماكو شيء)، ما يدل على أنه لم يرفع رأسه بوجهها وهذه هي العفة التي كانت تشهدها أزقة الحلة زمان".
وتحدث الناشط المدني والمعني في تراث الحلة حامد الجبوري قائلاً: إنَّ "العادات في تلك الأزقة لم تتغير ولعل أبرزها العلاقات الأسرية (التسيارة)، فضلاً عن لعبة المحيبس وعمل الكليجة الجماعية.. لكني متخوف حقيقة من أيام وباء كورونا الذي أخذ يفتك بالأرواح من أنه يتسبب في التباعد الاجتماعي بين أسر تلك الأزقة التي أغلبها فقيرة وتفتقر الى الخدمات وهي تحتاج الى التكاتف بين أفرادها".
داعيا الدوائر الخدمية الى "مد يد العون لها حفاظاً على موروثها التاريخي خاصة أن بعضها مضى على إنشائه مئة عام".