قيامة كورونا

آراء 2020/05/02
...

حسن جوان
 

جسدُ العالم العليل هذه الأيام هو نتاج تراكمات لا تخضع للمصادفة أو سوء التغذية، هو جسد يئنّ في مشفى العالم الذي يعجّ باجتهادات أطباء عقلاء وآخرين مغامرين، كما تضجّ بعضٌ من زواياه بصفقات الدواء وفرصة إفراغ مخازن السلع الطبية البائرة، ومطبخ سياسي بموازاة ذلك  كله لا يكفّ دخانُه عن الانبعاث ليل نهار لانتهاز الفرصة من اجل تصفية الخصوم. 
إذا كان ثمة من يحذر من تغييرات شاملة حتّمتها الضرورات عبر تسلسل واقعي، أو خطط  قصديّة جلبت سلسلة من الحراكات الشعبية والأزمات الاقتصادية حول العالم وفي منطقتنا الشرق أوسطية بالذات، تمهيداً لتحوّلات نوعية في مقابل هذا الكم من التحضير المتقن، فإنّ هذه المحاذير المشار اليها قادمة لا محال؛ فالتغييرات الكبرى لا يمكن تبريرها إلّا عبر فوضى عالمية تفرض قوانين جديدة للاعبين الكبار والصغار، ولا جدوى حينها من استدعاء قيم معطّلة  لم تعد قوانينها فاعلة في ضوء الواقع الجديد او المستجد 
قسراً.
من الواضح ان مشاعر الصدمة قد سادت الساحة العالمية، وهي مشاعر ضيّقت من مساحة التفكير المستقرأ لصالح الاستجابة المذعنة – القطيعية- لمخاطر الجائحة العالمية التي لمّا تزل ملغّزة في جنبات كثيرة، وهي خطوة تقاسمها الأفراد والنظم الدولية على حدّ سواء، والجميع هنا لا يستثني نفسه من هذا الوضع الكابوسي المعاش كما لا يتجرّأ على خرق قوانينه التي تلقي بثقل واقعي 
وحاكم. 
سيحتاج الفاعلون في إدارة العالم الى خسائر فعلية تبرّر الخطوات التي ينوون اتخاذها لاحقاً، وكل ما يوازي تلك الخسائر الداخلية المحتسبة على وجه التقريب سيكون ناتجاً عرضياً لحلقات الإنتاج السلبي لخريطة التغييرات التدريجية او الدفعية القادمة. لا يمكن تبرير قانون محاسبة أو إشهار حرب من دون ضرر واقع فعلياً، كما لا يمكن استحداث وعي يتقبل منظومة القوانين – قوانين الحرب والسلم- دون صناعة مناخات جماعية تتحرك فيها طبقات مختلفة تخضع لغرائز أو لمنطق منوّم يقوم بدوره وقت التنويم الدموي على اكمل 
وجه. 
تصاعد وتائر الصراع والفوضى والأجيال الجديدة من الحروب خلال العقدين الأخيرين، إزاء زيادة العلاقات الدولية حدّة وعدم تحلي أي طرف بالمرونة الكافية لتقبل بقاء الآخر خارج ارادته الساحقة ولو لبعض المساحة من تعارض الوجود، والتلاعب الفادح بمصائر الشعوب واقتصادات البلدان، كل هذه العوامل لا تشي بثغرة من حلحلة الأوضاع في المستقبل المنظور. 
لم تضق مساحة الأمل في مواجهة العاصفة القائمة ومثيلاتها من تحديات إنسانية سوف تتنوع محلّياً ودولياً، لكن هذه وغيرها تحتاج الى تدابير جادة وواقعية لا ينبغي لها ان تجعلنا معطلين بفعل حجم المتاعب الفائقة القادمة، ولا متفائلين حدّ الغناء في انتظار العاصفة، فالغناء وحده لا يمكنه ان يوقف
 العاصفة.