أزمتان مركبتان وحلول منتظرة

آراء 2020/05/03
...

د.عبد الواحد مشعل 
 
يعيش العالم بأسره أزمتين متلازمتين، الأولى الأزمة الصحية المتمثلة بفيروس كورونا، والثانية الأزمة الاقتصادية المرتبطة في أهم مفاصلها بانخفاض أسعار النفط، والعراق يعيش أزمته المركبة، سواء الأزمة المركبة الصحية المرتبطة بتدهور وضعف القطاع الصحي بشكل عام، والأزمة المركبة المعقدة المتمثلة بالاقتصاد الريعي المعتمد على النفط، ما وضع المجتمع في أتون مخاطر لا تحمد عقباها، إذا علمنا أن الرواتب تكلف الدولة أكثر من نصف الموازنة وتشير بعض الأرقام الى خمسة وخمسين مليار دولار، ما يعطينا مؤشرات خطرة مع انخفاض أسعار النفط الى مستويات متدنية وهي آخذة في الانخفاض.

أزمة صحية مركبة 
لم تتمكن الحكومات المتعاقبة أن تبني نظاما صحيا متكاملا، بعد أن كان القطاع الصحي في منتصف السبعينيات من أفضل الأنظمة الصحية في المنطقة، وقد توج آنذاك بنظام التأمين الصحي المتطور.
وعلى الرغم من ارتفاع الموازنات في السنوات الأخيرة الى أرقام خيالية لم تتمكن الحكومات من تأسيس نظام صحي بمواصفات متطورة يستحقها الشعب الكريم؟، فكان الفساد ينخر مؤسسات الدولة ومنها المؤسسة الصحية والتي لم يفكر القائمون عليها بخطوات حقيقية لإنجاز صرح صحي والإمكانيات اللازمة لذلك متوفرة، فكيف اليوم سيكون الأمر مع تدهور أسعار النفط  بل كيف سيكون الوضع مع توقع الخبراء انخفاض أسعاره الى مستوى لا يلبي قيمة استخراجه؟، أن المشكلة الصحية مشكلة مركبة فلا مستشفيات مؤهلة تأهيلا يناسب أزمة كورونا ولا توفر الملاكات الطبية المؤهلة الكافية لمواجهة الأزمة بعد أن هاجر الكثير منهم البلاد، وعدم قدرة الدولة من الحفاظ عليهم فضلا عن ارتفاع أسعار الأدوية بأسعار تفوق بكثير المدخولات المتوسطة لأبناء المجتمع، وهذا كله لا ينفصل عن تراجع الوعي الصحي والاجتماعي لدى بعض أبناء المجتمع الذين يرمون أنفسهم وآخرين الى التهلكة بعدم التزامهم بتعليمات خلية الأزمة ووزارة الصحة ما يجعل الأمر يدق ناقوس الخطر.
 
أزمة اقتصادية مركبة
يمر الاقتصاد العراقي بأخطر أزماته منذ زمن بعيد، فأصبح الخطر يدق بأبواب المجتمع مع تراجع أسعار النفط وغياب البدائل الملائمة لإسعاف الوضع الاقتصادي، ويظهر أن هذا الخطر يشمل اقتصاديات العالم بما ينذر بفوضى عالمية مع تفاقم أزمة كورونا وتداعياتها الخطرة على الإنسان والاقتصاد والمشكلة الأساسية التي تواجه الاقتصاد العراقي في المرحلة الحالية انه لم يتمكن خلال السنوات الماضية أن يبني ركائز راسخة في قطاع الزراعة والصناعة والخدمات والبنى التحتية ولاسيما في تشييد المؤسسات الأساسية كالمستشفيات وقطاعات النقل والإسكان وتطوير العمل المصرفي وغيرها وبقي معتمدا على النفط كدخل أساسي، ما ادخله اليوم في أزمة مركبة من ضعف القطاع الخاص وتراجع المؤسسات الرسمية الصناعية والخدمية وغياب تعظيم الموارد من المصادر الأخرى وبقي اقتصادا ريعيا يختصر بشكل أساسي على توفير رواتب العاملين في الدولة ما جعله اليوم أمام معضلة قد تتفاقم في الأشهر المقبلة إذا لم يتحسن سعر النفط عالميا وهو أمر مشكوك فيه مع تزاحم مشكلات عالمنا المعاصر، والخوف هو من الزحف الى الاحتياط النقدي وهو ما سيدخل البلاد في نفق يصعب الخروج منه 
بسهولة.
 
الخطط الطارئة
العراق اليوم أمام منعطف تاريخي يتطلب على الصعيد الصحي وعيا مجتمعيا مسؤولا، فمع تفاقم أزمة فيروس كارونا وفرض حظر التجوال نجد الالتزام بذلك ما يزال دون المستوى المطلوب بشكل عام بل انه غير مطبق في كثير من المناطق الشعبية ما ينذر بكارثة حقيقية تطال المجتمع بكاملة، ومن هنا ينبغي وضع استراتيجية إعلامية وأمنية لتطبيق تعليمات الأزمة حتى لو بالقوة وهذه الاستراتيجية ينبغي أن تقوم على تسخير وسائل الإعلام كافة لتوضيح الخطر الذي بات يداهم المجتمع وينبغي اعتماد الآليات المهنية في هذا المجال بما فيها تسيير حملات في الشوارع لحث الناس بالبقاء في بيوتهم مصحوبا بموسيقى تنذر بالخطر، وبيان مخاطر المرض في الانتشار السريع إذا لم يتم الالتزام بالتعليمات كما ينبغي تسخير مراكز القوى الاجتماعية والدينية في تلك المناطق في فرض ذلك، كما ينبغي وضع استراتيجية أمنية محكمة في تطبيق منع التجوال من خلال توزيع القوى الأمنية والجيش ليس في مفاصل الطرق الرئيسية إنما في المحلات الشعبية واستخدام الأساليب الأمنية الصارمة مع فرض الغرامات ويقوم ذلك على منع التجمعات الاجتماعية في الأفراح والأتراح، وتطبيق القانون بالقوة، مصحوبا بوضع خطة صحية متكاملة تقوم بتعقيم مستمرة للمناطق كافة، والاستعانة بمنظمات المجتمع المدني والمتطوعين للقيام بتلك الحملات وتشجيع الأهالي على فتح باب التبرع من الأغنياء لمساعدة المحتاجين فضلا عن دعوة وزارة التجارة بتوزيع الحصة التموينية بمواصفاتها المقررة على المناطق من خلال تشكيل فرق تساعد الوكلاء بإيصال تلك الحصص الى 
المساكن.
أما ما يتصل بالاقتصاد ينبغي التفكير جديدا في إيجاد بدائل للنفط للنمو الاقتصادي وهذا يتطلب وضع خطة متكاملة من قبل الدولة لإجراء تنمية شاملة ولاسيما في مجال القطاع الصناعي والقطاع الزراعي وفتح الباب أمام القطاع الخاص بالقيام بالاستثمارات على تشدد الرقابة الحكومية على تنفيذ المشاريع من قبل المستثمرين سواء المحليين أم الخارجيين، فضلا عن تفعيل القطاع العام في المجالات المختلفة، وخلق نوع من التنافس في عملية الإنتاج الوطني، أما على صعيد الأزمة الحالية فينبغي الإسراع بتقديم إعانات مادية للذين تضرروا من حظر التجوال وبالسرعة الممكنة قبل أن تتفاقم مشكلات الناس، وتصبح إجراءات الحكومة في الوقاية من الوباء في مهب الريح، وبالنتيجة سيعرض البلد الى كارثة لا يحمد
عقباها.