تنتج السينما العالمية عموما وهوليوود خصوصا عشرات الأفلام الدينية سنويا، وهو تقليد واظبت عليه "الغابة المقدسة"، منذ بدايتها الأولى ومازالت، لاسيما تلك التي تتخذ من حياة المسيح التراجيدية وبواكير دعوته موضوعا لها، بعضها تبشيري وعقائدي ومعظمها تجاري يستهدف قلوب المسيحيين في العالم، فالسينما مشروع ربحي أولا وآخرا، والطريف أن الأخوين لوميير أخرجا فيلما بعنوان "حياة وعذاب المسيح" بعد ست سنوات من اختراعهما لجهاز العرض السينمائي، لتقدم السينما أكثر من 300 فيلم يستلهم مكابدات فادي البشر وآلامه؛ منها ما آثار جدلا وصخبا وصل حدّ مقاطعة وتسقيط صناعها، مثلما ما حصل مع فيلم مارتن سكورسيزي الشهير "الأغواء الأخير للمسيح"(1988)، و "ملك الملوك"(1961) من إخراج نيكولاس راي، الذي اثار غضب رجال الكنيسة واتهموه بتزوير التاريخ، لتصويره السيد المسيح أشقرا بعيون زرقاء، فضلا عن الدوامة التي وجد فيه المنتج والمخرج والممثل ميل جيبسون بعد إنجاز فيلمه "آلام المسيح" ( 2004)، فقد آثار غضب اليهود واتهموه بمعاداة السامية وتظاهروا امام مكتب شركة "نيوز" في نيويورك لمنعه وعرقلة توزيعه، وقد تبدو مفارقة إصرار شركات السينما الأميركية والاوروبية على انتاج هذه الأفلام في حاضنة علمانيّة لا تشغلها كثيرا قضية الايمان والعقائد، فيما توقف انتاج الأفلام الدينية العربية منذ سبعينيات القرن الماضي، عدا أفلاما تعد على الأصابع، على الرغم من تديّن العرب وتماهيهم مع السلف حتى لا تكاد تفصل ماضيهم عن حاضرهم.
انتجت السينما المصرية اثني عشر فيلما للفترة من 1951 ولغاية 1972، أولها: "ظهور الإسلام" للمخرج الرائد إبراهيم عز الدين، واخرها: "الشيماء أخت الرسول" بعد ذلك أخرج العقاد فيلمه الضخم "الرسالة" (1976) الذي قاطعه الأزهر والسعودية ومعظم دول الخليج، بعدها أخرج الإيراني مجيد مجيدي فيلمه الملحمي والجريء "محمد رسول الله" (2015)، وهذان الفيلمان انتجا بميزانيات دول، ولم يسوقا بسلاسة على الرغم من اهميتهما على صعيد الموضوع والمستوى الفني، فهما من وجهة نظري أنضج وأفضل ما أنتج من أفلام تتناول سيرة الرسول الأكرم ورسالته المحمديّة، اذ تمت مقاطعتهما من ذات الجهات، مع فارق أنّ المتطرفين الإيرانيين هددوا مجيدي بتصفيته ان مضى قدما في انتاجه، لكنهما نجحا نجاحا منقطع النظير في طرح خطاب معتدل ورصين عن الإسلام، وثمة محاولة من يوسف شاهين لإخراج فيلم يتناول سيرة النبي يوسف (ع) بعنوان "المهاجر" لكنها لاقت معارضة شديدة من الازهر، اضطر على أثرها تغيير السيناريو، وكتابة توضيح في بداية الشريط، يؤكد ان الاحداث لا تمت بصلة لسيرة يوسف الصديق العطرة، وبذا نخلص الى أن شح التمويل والإنتاج الواسع، وصرامة الرقابة على الأفلام التي تتناول المقدس، هما من أوقف انتاج الأفلام الدينية والتاريخية، فضلا عن افتقار المشهد السينمائي العربي الى صناع سينما مستقلين يمتلكون الرؤية والشجاعة.