اعداد: صفحة رمضان كريم
نزل القرآن الكريم لهداية الناس وتنوير أفكارهم وتربية أرواحهم وعقولهم وحدد الحلول الصحيحة للمشاكل التي تتعاقب على المسلمين في مختلف مراحلهم ويجيب عن الاسئلة التي يتلقاها النبي (ص) من المؤمنين او غيرهم ويعلق على جملة من الاحداث والوقائع التي كانت تقع ليوضح موقف الاسلام من تلك الاحداث.
وعلى هذا الاساس كانت آيات القرآن تنقسم الى قسمين، أحدهما: الآيات التي نزلت لأجل الهداية والتربية والتنوير من دون وقوع سبب معين لنزولها مثل الآيات التي تصور قيام الساعة ومشاهد القيامة واحوال النعيم والعذاب فقد انزلت هذه الآيات لهداية الناس وليست اجابة عن سؤال او حادثة معاصرة.
والقسم الآخر: الآيات التي نزلت بسبب حدث مثير وقع في عصر الوحي واقتضى نزول القرآن فيه مثل حادثة معينة تعرض لها النبي وتطلبت حلاً، أو سؤالاً استدعى الجواب عنه، أو واقعة كان لا بدّ من التعليق عليها. وتسمى هذه الحالات التي استدعت نزول القرآن بأسباب النزول فهي أمور وقعت في عصر الوحي واقتضت نزول الآيات بشأنها، مثل مسألة بناء المنافقين لمسجد ضرار بقصد الفتنة فقد كانت هذه المحاولة من المنافقين مشكلة للمؤمنين أثارت نزول الوحي بشأنها اذ جاء قوله تعالى (والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين) الى آخر الآية.
وكذلك ايضاً ما وقع من بعض علماء اليهود اذ سألهم مشركو مكة: من اهدى سبيلاً محمد واصحابه ام نحن؟ فتملق اليهود عواطف المشركين وقالوا لهم: انتم أهدى سبيلاً من محمد وأصحابه، مع علمهم بما في التوراة من نعت النبي المنطبق عليه واخذ المواثيق عليهم ان لا يكتموه، فكانت هذه واقعة مثيرة ادت الى نزول قوله تعالى (ألم تر الى الذين اوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء اهدى من الذين آمنوا سبيلاً).
الفائدة في معرفة السبب
ولمعرفة أسباب النزول أثر كبير في فهم الآية والتعرف على اسرار التعبير فيها لأن النص القرآني المرتبط بسبب معين للنزول تجيء صياغته وطريقة التعبير فيه وفقاً لما يقتضيه ذلك السبب فما لم يعرف ويحدد قد تبقى أسرار الصياغة والتعبير غامضة، كما في قوله تعالى (إنّ الصفا والمروة من شعائر اللّه فمن حج او اعتمر فلا جناح عليه أن يطوّف بهما) فإن الآية ركزت على أن السعي بين الصفا والمروة ليس اثما أو عادة جاهلية بل هي شعيرة إلهيّة مرتبطة بإتمام الحج، من دون أن تصرح بوجوب ذلك، لأنّ بعض الصحابة ظنوا أن السعي بين الصفا والمروة إثم؛ من عمل الجاهلية، فنزلت الآية الكريمة لنفي هذه الفكرة من اذهانهم وأنها من شعائر اللّه، وقد أدى الجهل بمعرفة سبب النزول في هذه الآية عند البعض الى فهم خاطئ في تفسيرها اذ اعتبر اتجاه الآية، نحو نفي الاثم بدلاً من التصريح بالوجوب، دليلاً على انّ السعي ليس واجباً وانما هو امر سائغ، وأنه لو كان واجباً لكان الاجدر بالآية ان تعلن وجوبه بدلاً من مجرد نفي الاثم. ولو كان هذا البعض يعلم سبب النزول والهدف المباشر الذي نزلت الآية لتحقيقه وهو ازالة فكرة التأثم من اذهان الصحابة لعرف السر في طريقة التعبير والسبب في اتجاه الآية نحو نفي الاثم والتركيز على شعيرة السعي.
العبرة بعموم اللفظ
اذا نزلت الآية بسبب خاص وكان اللفظ فيها عاماً فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فلا يتقيد في نطاق السبب الخاص للنزول او الواقعة بل يؤخذ به على عمومه لان سبب النزول يقوم بدور الاشارة لا التخصيص، وقد جرت عادة القرآن ان ينزل احكامه وارشاداته على اثر وقائع تقع في حياة الناس وتتطلب حكماً وتوجيهاً من اللّه فيكون البيان القرآني ابلغ تأثيراً وأشد أهمية للمسلمين وان كان مضمونه عاماً شاملاً.
ففي تفسير العياشي عن الامام محمد الباقر (ع) انه قال: إنّ القرآن حي لا يموت والآية حية لا تموت فلو كانت الآية اذا نزلت في الاقوام وماتوا ماتت الآية لمات القرآن، ولكن هي جارية في الباقين كما جرت في الماضين).