على الرغم من الخراب الذي خلفته التنظيمات الارهابية وراءها، سواء في العاصمة أو في عموم المدن العراقية، ولكن الحمد لله حافظت معظم المدن – أو استعادت – روحها الجمالي، وليست المنصور مثلاً وكورنيش الكاظمية والاعظمية والكرادة وابو نؤاس والجادرية... إلا مواقع يمكن الذهاب اليها كلما شعر الانسان بالضيق، واحتاج الى قدر من المتعة والتسرية عن النفس، بعد ان قتلت الجدران الكونكريتية معالم بغداد، فثمة مئات الاسواق التجارية ومحال الصاغة وبدلات الاعراس والمطاعم والمولات والكازينوهات والصبايا، ولذلك كنت احمل روحي التعبانة، وأتجول في واحدة من هذه المناطق مرة في الاسبوع في الاقل، ثم اعود منتشياً وقد تحررت من هموم خاصة وعامة لا حصر لها... واشعر بأن البلد ما زال بخير، وان امكانية ترميم الشرخ الكبير متوفرة في ظل رغبة الطيبين والاصلاء من العراقيين في تواصل الحياة، والتطلع بعين التفاؤل الى الاتي.
في واحدة من تلك الجولات، استوقفتني بناية انيقة، كتب على واجهتها (المنتدى الديمقراطي في بلاد الرافدين)، ويبدو ان المنتدى كانت لديه فعالية في ذلك اليوم، إذ تم تعليق لافتة اعلانية على الجدار (محاضرة لرئيس المنتدى، بعنوان: الانتخابات شريان الحياة، والدعوة عامة للجميع)، قلت لنفسي: (يا رجل ... انت لا شغل ولا مشغلة، فلماذا لا تحضر؟)، ولكنني كنت متردداً، لأن فضائياتنا ما شاء الله اصبحت جميعها منتديات للديمقراطية التي دوخت رؤوسنا، إلا ان وصول ثلاث نساء في غاية الجمال والاناقة، ودخولهن المبنى، الغى ترددي، فتبعت خطواتهن، محافظاً على مسافة مقبولة بيني وبينهن حتى لا ابدو قليل الذوق، أو تأتيني تهمة باطلة من (أحدكم)، وفي قاعة البناية، جلست خلفهن زيادة في التحوط، وقرأت على الجدران عبارات تتحدث عن حريات الرأي والتعبير والمعتقد، وان الناس خلقتهم امهاتهم احراراً، غير انها لم تشغل بالي، فقد كنت شبه مخدر بسبب تعرضي الى ثلاثة انواع من العطور النسائية المستوردة، في تلك الاثناء وصل الدكتور المحاضر واعتلى المنصة، وبينما اسهب في الكلام عن الانتخابات، وانها عصب العملية السياسية، كنت اتلصص على دردشة النساء ووشوشتهن بصوت واطئ، ولكنه مسموع، وفهمت من حوارهن ان ربطة الدكتور غير مناسبة لبدلته، وانه شخص ارعن ومراهق برغم تجاوزه الخمسين من عمره، لأنه طلق زوجته الاستاذة الجامعية، وتزوج من إحدى طالباته، وهي من عمر بناته.. الخ!
انتهى الرجل من محاضرته التي لم نستمع اليها نحن الاربعة في الاقل، وفتح باب الحوار، وقد سألته احداهن: (دكتور... ألا تعتقد ان المرأة مهمشة في البرلمان والحكومة، ولم تحتل مثلاً اي منصب من المناصب الرئاسية؟)، رد عليها: (هذا الامر يتوقف على نضالكن الدؤوب للوصول الى هذه المناصب)، سألته ثانية بغضب: (وهل وصل الرؤساء منذ قيام الحكم الوطني في العراق قبل مئة سنة بنضالهم؟)، وامتعض الدكتور امتعاضاً شديداً، وطلب منها مغادرة القاعة على الفور، فغادرتْ ومعها زميلتاها، ولن تصدقوا بالطبع اذا اخبرتكم، أنني غادرت معهن من باب التضامن وليس لأي سبب آخر!!.