مستقبل الأمن القومي الأميركي

آراء 2020/05/08
...


د. عبدالله حميد العتابي
 
في كتابه (جوهر الأمن) أوضح وزير الدفاع الأميركي الأسبق روبرت ماكنمارا مفهوم الامن القومي للدولة بالقول :"ان الامن القومي هو افتراض وقوع اسوأ حالة، وامتلاك القدرة على معالجتها، وهي المعالجة التي يسعى المجتمع عن طريقها الى تأكيد حقه في البقاء". وفي ضوء ذلك، يمكن القول ان مصطلح الأمن القومي الأميركي ببساطة يعنى المحافظة على حياة الأميركيين وسلامتهم ضد أي تهديد.
والواضح ان فيروس كورونا قد ضرب ركائز الامن القومي الاميركي في الصميم، فهذا الفيروس قتل في الولايات المتحدة خلال شهرين فقط أكثر من عدد الذين لقوا حتفهم من الاميركان في حرب فيتنام التي امتدت أكثر من عقدين. ويساوي ضحايا كورونا اكثر من عشرين ضعفاً لما قتل في هجوم القاعدة في الحادي عشر من سبتمبر/ ايلول .وثلاثة عشر ضعفاً خلال الاحتلال الأميركي للعراق 2003 - 2010. وثلث القتلى الأميركيين في الحرب الكورية خلال السنوات الأربع الأولى من خمسينيات من القرن الماضي واثنين وعشرون ضعفاً للقتلى الأميركيين في حرب افغانستان (2001 - 2020).
وفي سياق متصل، خسر ما لا يقل عن 26 مليون أميركي وظائفهم خلال شهر، وهو اكثر بكثير من كل الوظائف التي خلفها النمو الاقتصادي منذ الازمة الاقتصادية عام 2008. وان حجم طالبي اعانات البطالة وبرنامج الانقاذ المالي يعكسان التأثير الهائل للأزمة في الولايات المتحدة صاحبة اضخم اقتصاد في العالم.
وهنا نتساءل هل تعيد الولايات المتحدة الأميركيَّة صياغة مفهومها للأمن القومي في ضوء النتائج الكارثية لهذا الفيروس؟ مثلما أعادت هجمات اليابان لميناء بيرل هاربر في 7 كانون الاول 1941 وهجمات القاعدة في 11 سبتمبر/ ايلول عام 2001، توجيه السياسة الأميركية لعدة 
عقود.
لقد أثبت هذا الفيروس للإدارة الأميركيَّة ان الحفاظ على سلامة الأميركيين وحياتهم ليس جيشاً جباراً وأساطيل بحرية وقواعد جوية وطائرات متطورة، بل طواقم طبية استكشافية لها القدرة العلمية على التنبؤ برسم انتشار الفيروس، فضلاً عن طاقم استخباراتي 
صحي.
والمتابع للشأن السياسي الأميركي، سيلتمس إخفاقاً من إدارة الرئيس ترامب ولم يكن يتوقع فيروس كورونا والاستعداد له بالشكل الأمثل، فعلى سبيل المثال، في ستراتيجية الأمن القومي لعام 2017، وستراتيجية الدفاع البيولوجي عام 2018، والتي أقرها مجلسا النواب والشيوخ حددت الإدارة الأميركية مواجهة الاوبئة بوصفها عنصراً مهماً في ستراتيجيتها، وركزت على ضرورة احتواء الفيروس من مصدره، علاوة على تشجيع الاختراعات الصحيَّة، وتطوير الاستجابة للطوارئ، غير ان ادارة الرئيس ترامب قطعت تمويل بحوث الصحة، وامتنعت من تمويل المؤسسات الدولية للكشف عن الأوبئة. 
وبدلاً من الاعتراف بإخفاق إدارته في إدارة الأزمة، فإنَّ الرئيس ترامب صب غضبه على الصين.