هفال زاخويي
تعني السيادة استقلال الدولة وحكومتها وقراراتها عن سلطة وإرادة أية جهة داخلية او خارجية، وتمتع هذه الدولة والحكومة ذات السيادة بسلطة عليا، مطلقة، شاملة، عامة، دائمة، موحدة (غير منقولة، وغير مجزّأة، وغير منقوصة او محدودة) تمارسها على اقليمها ورعاياها. ويعرف المفكر الفرنسي "جان يودان 1530ـ1596 " السيادة بأنّها السلطة العليا التي يخضع لها الرعايا وجميع المواطنين ولا تتقيد بالقانون) .ويميز (بودان) بين السيادة والسلطة، فالسيادة عامة ومطلقة ودائمة وواحدة وهي للدولة، والسلطة محدودة ومقيدة ومؤقتة ومجزأة وهي للحكومة. كما يرى"بودان"
سيكون من الصعب جداً أنْ نعول على السياسي وحده لإيجاد مخرجٍ للقضايا التي تبدو للمرء عقدية بين (بغداد واقليم كردستان)، بل قد يسهم السياسي في أغلب الأحيان بتعقيد القضايا أكثر بسبب من ضيق الرؤية وغياب الأدوات الثقافية المطلوبة التي تمكنه من البحث عن حلول جذرية لأهم وأخطر المشكلات في العراق، التي لطالما أسهمت في جعل العراق دولة مضطربة غير مستقرة ألا وهي تلك المشكلات المستديمة بين المركز (بغداد) وبين اقليم كردستان.
وبالطبع لا يمكن إلقاء اللائمة على طرف من دون آخر من اطراف الخلاف كون أنَّ العقلية السياسية لدى كل الأطراف لم تستعن بالأنتليجنسيا العراقية وبالذات (العربية والكردية) للإسهام في البحث عن الحلول واعطاء المشورة لأصحاب القرار كون أن هذه الانتليجنسيا هي المنخرطة في الأعمال الذهنية والفكرية المعمقة ولها دور ريادي في النقد والتوجيه والقيادة وفي بلورة سياسة مجتمعهم، أي النخبة الواعية المدركة لخطورة
الأوضاع.
ولا أقصد أبداً اؤلئك المثقفين المحسوبين على الأحزاب والقوى السياسية الجاهزين دوماً للمسك بالقلم والانخراط في الحرب الاعلامية والكلامية التي لا جدوى منها، بل لطالما كانت طروحات هؤلاء الكتبة المحسوبين على القوى السياسية بمثابة صب الزيت على النار، والتخندق في خندق التعصب الأعمى للطرف الذي ينتمي
اليه.
الأنتليجنسيا، (النخبة الواعية المفكرة) مهمشةٌ بحكم الصراع القديم - الجديد بين الثقافي والسياسي وإشكالية (من يقود من،؟)، هذه النخبة اليوم مُطالَبةٌ أكثر من أي وقت آخر بالتحرك وبشكل فعال ومن منطلق رؤية وطنيَّة جامعة متجاوزة للهويات الفرعيَّة، قائمة على مبدأ الهوية الوطنية الواحدة التي تهدف الى بناء دولة مواطنة حقيقية منفصلة عن ثقافة الاستعلاء القومي أو الديني أو المذهبي
، وينبغي بالقوى السياسية وخصوصاً الفاعلة والحاكمة منها أنْ تفسح المجال وتتيح الإمكانيات الكفيلة لتهيئة الأرضية للشروع في حوار حقيقي وبالسرعة الممكنة لدرء الأخطار المحدقة بهذا البلد الذي يبدو أنه في أكثر حالاته حرجاً وهو أمام تعقيدات خطيرة، كما وينبغي للقوى السياسية أن تهجر هاجس الخوف من النخبة الواعية المهمشة سواء في (بغداد) أو في (اقليم كردستان)، إذ أعتقد جازماً بأنَّ هناك ضمن هذه الانتليجنسيا العراقية (العربية والكردية) رغبةً جامحة في البحث عن الحلول الجذرية طواعية من دون انتظار المكرمات والعطايا، فأغلب دعوات الحوار السابقة والمنتديات التي عُقدت والمؤتمرات وورش العمل التي نُظِمَت كانت المساحة المتاحة منها والوقت المتاح هو للتعارف وقضاء أوقات جميلة أكثر مما كانت متاحة للتفكير والبحث عن حلول جذرية تسهم في تهدئة الأوضاع، والنتائج التي نحن نعيش واقعها المر اليوم دليل على عدم جدوى تلك الفعاليات الثقافية التي لم تستطع الا الخروج ببيانات ختامية كانت عندما تُقرأ ترى القاعات فارغة من المدعويين الذين كانوا بالمئات عبر 17 سنة مضت.
ينبغي الآن بالقوى السياسية العراقية بمختلف توجهاتها أن تدرك أهمية وخطورة هذا الأمر، إذ لم يعد بالامكان الاعتماد على الأقلام التي تشبه البنادق الجاهزة لإطلاق الرصاص، بل ينبغي اتخاذ الانتلجينسيا الوطنية العراقية كأداة وطاقة لا تنضب للانخراط في البحث عن الحلول لمختلف المشكلات في هذا البلد الذي تتقاذفه الأمواج العاتية، كما وينبغي بهذه (النخبة الوطنية الواعية) أنْ تكون صاحبة هوية إنسانية جامعة ومن ثم وطنية خالصة ولا تنتظر من السياسيين (جزاءً ولا شكوراً) فهي أمام مهمة إنسانية ووطنية ملحة وقد يكون انخراطها بجدية في البحث عن الحلول كفيلاً بتجاوز هذه الأزمات العاصفة بشرط التزام الساسة بعدم تضييق الخناق على هذه النخبة الواعية وجعل هذا الحوار (المعرفي الوطني) يجري بانسيابية ووضوح
وإخلاص.