خلايا ليست نائمة

آراء 2020/05/08
...

عباس الصباغ 
 
بعد ملحمة تحرير الموصل من براثن  داعش  اكدت المرجعية العليا في احد بياناتها الجمعوية الحقيقة المرة التي غفل عنها الكثيرون او غضّوا ابصارهم عنها واخذتهم نشوة الانتصار على هذا التنظيم وحذّرت  بان المعركة مع هذا التنظيم لم تنتهِ بعد وامام العراق شوط طويل للاحتفال بالنصر النهائي بذلك فالحرب لم تضع اوزارها بمجرد اعلان مقتضب للنصر ، فما جرى خلال الاحتلال الداعشي لثلث مساحة العراق امر ليس بالهين او العابر بعد ان ارتبط هذا التنظيم بالكثير من الاجندات الموالية له داخل وخارج العراق، كما ارتبط بوجود حواضن ستراتيجية له تقدم الدعم اللوجستي بجميع اشكاله وتشكّل مثابات له ينطلق منها لتنفيذ اجنداته وضرب قواتنا الامنية بين الحين والاخر ، كلما سنحت  له الفرصة بذلك  وبالاستناد الى المعطيات السوقية على الارض وعلى ما تقدّمه الخلايا النائمة (وهي ليست بنائمة) اضافة الى الحواضن البعث / داعشية من تسهيلات ولولاها لا تستطيع عصابات داعش ان تنفذ اجنداتها التخريبية   .
تلك الخلايا لم تزل تشكّل العمق الستراتيجي لداعش فهي توفر لها الملاذات التي تحتاج اليها ومنذ اجتياحها للعراق والى الان فهي مربط الفرس في اي نشاط معادٍ  يصدر من قبل هذه العصابات  ، ناهيك  عن الدعم المماثل الذي تقدمه الامتدادات الاقليمية الممولة لداعش والداعمة لنشاطاتها وعلى جميع الصعد، اضافة الى الدعم اللوجستي  وهي جهات لم تتوانَ عن تقديم دعمها لهذه العصابات  لتشابه اطروحاتها السيا / طائفية  معها ، ومنذ تحرير الموصل وانجلاء غبار المعارك  استمرت التأكيدات وتواترت التحذيرات من عودة نشاط هذه العصابات وباي شكل كان ، وتكررت التأكيدات حيال ذلك ولكن بدون فائدة !! .مع المعطيات آنفة الذكر وكواقع حال لا يستغربنّ احد من عودة نشاط داعش على شكل  ضربات توجّهها الى قواتنا الامنية، مستغلة شتى الظروف الامنية والسياسية  ، وتختلف نوعية وقوة الضربات التي توجّهها باختلاف تلك الظروف ، ونرجع الى نقطة الصفر التي تتضمن عدم التراخي والشعور بالزهو بالنصر ويجب اعادة تأهيل  المناطق التي كانت تحت سطوة هذه العصابات تأهيلا كافيا لغسل ادمغة اهالي تلك المناطق لغرض تنقيتها من ترسبات الفكر   البعث / داعشي  وليس هذا بالشيء  المستحيل وذلك بالاستعانة بالدول التي مرت بظروف مشابهة للتخلص من ترسبات وافكار الماضي كألمانيا التي عانت الاهوال من الحزب النازي ومن حواضنه وذيوله واذنابه  وايضا يوغسلافيا السابقة.في الفترة الاخيرة تطورت نشاطات داعش الى مديات  تدميرية غير مسبوقة وان كانت لا تختلف عن نشاطاتها السابقة ولكن ان يتم ذلك بعد اعلان تحرير العراق وتطهيره فهذا امر يستدعي التوقف ، فلم تعد المسألة تخص داعش  وحدها بل ارتبط الامر باستمرار نشاط الخلايا  (النائمة ) في تقديم الدعم لداعش كما لو كانت العصابات موجودة في سابق عهدها عندما احتلت مساحة تساوي ثلث العراق وبتنوع نشاطها التخريبي تتضح حقيقة العودة المبرمجة والتدريجية  او انها تعدّ العدة لإنتاج نسخة جديدة منها تكون اشد فتكاً، كما يدل ذلك على ان مايسمى بالخلايا النائمة هي ليست نائمة بالمعنى الحرفي للكلمة بل هي يقظة تماما وتقوم بتنفيذ اجندتها متى ما ارادت ولاي هدف تشاء فهي تختار الهدف والتوقيت المناسب له وبما يتناسب مع اجندتها البعث / داعشية التخريبية مثل تخريب وضرب امدادات الطاقة  الكهربائية الوطنية واشعال الحرائق في حقول الحنطة وذلك محاولة لتخريب الاقتصاد الوطني واحداث بلبلة وحالة من الفوضى والشكوى وتذمر لدى المواطن من حكومته. 
 واجمالا هناك حرب ضروس اخرى كان على الجهات المختصة ان تقوم بها وهي لا تقل ضراوةً وأهميةً عن الحرب الميدانية وبها يُستكمل النصر العسكري وتتحقّق نتائجه المتوخاة وبدونها يعدّ هذا النصر ناقصا ،  وتتمثّل اولا بإعادة تأهيل الحواضن المريبة كما اسلفنا ، وثانيا  بتفعيل دور الاستخبارات الوطنية والجهات الامنية واطلاق يدها في اكتشاف ومتابعة ومحاسبة  الخلايا البعث /داعشية  وهي خلايا تعد الجيش الخفي لداعش والامتداد السوقي لها ، داعش تحاول وبشتى الطرق ان تعوّض هزائمها في جبهات القتال وتقلّل من آثارها الصادمة على نفسيات عناصرها  لترفع من معنوياتهم ولتكسب المزيد من  التمويل والتجنيد والدعم المادي واللوجستي والفتوائي والاعلامي من امتداداتها الاقليمية والعالمية ، وتسعى ايضا  الى ايصال رسالة مفادها بانّها تنظيم أخطبوطي  يتمدّد وله أذرع ضاربة في كل مكان في العراق ومن جهة اخرى تفنيد نظرية وجود مناطق آمنة او آمنة "نسبياً "  لاسيما في وسط العراق وجنوبه فهو يجنِّد حواضنه ويسيّر خلاياها البعث/ داعشية / النائمة ويبرمجها  لأجل ذلك . وبدون هذين الاجراءين سنبقى كل يوم نصحو على كارثة.