رزاق عداي
عندما كان يسأل البنك المركزي العراقي عن جدوى مزاد العملة ، كان جوابه الجاهز في زمن التخمة المالية وعند الازمات ،ان هذه الآلية تجعل من الدينار العراقي اكثر استقرارا ازاء صرف الدولار ، ولكن في الازمة الاخيرة المتمثلة في تدهور اسعار النفط تكون الاجابة غير واردة ،فالنخب الرسمية في مجال الاقتصاد من مؤسسات حكومية هي منهمكة اليوم بدرجة ملحة لايجاد الحلول والمعالجات لتدبير رواتب الموظفين والمتقاعدين للأشهر القليلة المقبلة ، قبل ان تكون الدولة مجبرة لاختراق الخطوط الحمر، وتعمد الى المساس بهذه الرواتب والاجور ، فما حال مزاد العملة ،حينها، اذا كان العائد النفطي لا يسد الحد الادنى من الميزانية التشغيلية ،
في اقتصاد مثل الاقتصاد العراقي ، ريعي ،ممول من مورد واحدة تقريبا ، اي لا يمتلك قاعدة تحتية اقتصادية (زراعية وصناعية) يكون التعويل على هذا النهج من منطق الاضطرار لسد الحاجات الضرورية ، ولأن سلعة النفط غير مضمونة دائما في الايفاء بالمقابل النقدي ، تكون المعادلة قلقة وخطرة عند زمن الازمات التي يتميز بها اقتصاد النفط حصرا ، الحكومات بعد 2003 واجهت اكثر من ازمة نفطية ، كانت خلالها تطلق الوعود الكثيرة ، بخصوص التخلص من ظاهرة الاعتماد على النفط ، ولكنها لا تلبث ان تتنصل عن وعودها ، فتعاود نهج التفريط بالموارد المالية ،وتبديدها في مجالات غير منتجة ، مزاد العملة نافذة استهلاكية صرفة ، والتوسع في نطاقها ينطوي على نوايا مكشوفة واخرى سرية ، فاذا كان في صفحته المعلنة ، هو اجراء من شانه تحقيق غطاء للدينار وحمايته من التدهور ،وبالتالي تخليص الاقتصاد من ظاهرة التضخم في حالة ترك السوق على حالها في مجال الطلب على الدولار ، ولكن العملية برمتها ابتداء من عديد المصارف التي بوشر بفتحها قبل اكثر من عقد من الزمان ، تنطوي على الكثير من الفعاليات التي لا تمت بصلة بالنشاط المصرفي ، المعلن الاهداف لاسيما ان هذا النشاط سيكون مضطرا للتنسيق مع نظام مالي يحكمه ويقوده الدولار ،بحركة مزدوجة ، مرتبطة باسواق اخرى تؤثر وتستفيد من حركة الاموال .
ان بنية النظام المالي العالمي اليوم في منتهى التعقيد ،بحيث تتجاوز ادراك معظم الناس العاديين ،لقد تلاشت الحدود بين الوظائف المختلفة ،كالصيرفة، والسمسرة ، والخدمات المالية ، ونحو ذلك، وارتبط بالاسواق الجديدة للسلع والنقد ، ساعد في ذلك الكومبيوتر والتواصل الالكتروني على الدفع بهذه المعاملات الى انتشار هذا النشاط خارج الرقعة الجغرافية المحلية .ترتبط احيانا هذه الحركة او حتى الفوضى، بتنامي ما بات يسمى الان (مشاريع اسمية)، فقد بذلت في السنوات القليلة الماضية جهود هائلة لاستنباط اساليب في تحقيق الارباح (غير الاساليب المباشرة والمعروفة في انتاج السلع والخدمات )، وتتنوع التقنيات الجديدة هذه في (ايداعات حسابية) عبر مراقبة المراقبة الدقيقة للمراكز متعددة الجنسيات لاسواق اجنبية ،بحيث تفيد من اي فارق في قيمة النقد او اسعار الفائدة ،وربما هذا الامر يتعلق ويشير الى ما يثار دائما عن وجود مصارف ومؤسسات مالية اجنبية في واقع حركة الصيرفة العراقية بمسميات عراقية في الظاهر اوتحت يافطات اخرى ، تكون مستعدة للمضاربة من خلال نافذة مزاد العملة.
اما على مستوى الاضرار الداخلية ، فقد كان مزاد العملة شبيه ثقب في مركب الاقتصاد العراقي ، لاسيما على مستوى تراكم النقد الاجنبي ، ناهيك عن اثاره السيئة في ترسيخ النمط الاستهلاكي والابقاء عليه بعيدا عن تطوير الاتجاهات الانتاجية والاستثمارية الاخرى ، بالاعتماد على المنتج الاجنبي ، والذي سعى الى تكريس هذه المسارات الاقتصادية ،هي الحكومات المتعاقية بنوايا مكشوفة واخرى مختبئة ، عمدت الى تدمير الصناعة والزراعة على حد سواء للابقاء على الاستيراد بغية تحقيق الفوائد والارباح على حساب الاقتصاد العراقي بعمومه.
ان ما يشار اليه في نشرات البنك المركزي من ارقام مهولة للاموال المباعة من نافذة مزاد العملة يثير الكثير من الريبة ، في نزاهة هذا النشاط ، فالمبالغ المباعة يوميا تتراوح ما بين 150الى200 مليون دولار، اي ما بين 4 الى خمسة مليارات شهريا ، وسنويا ما بين 50 الى 60 مليارا ،وكل هذه الاموال تتوجة نحو الاستيراد ، ولا تصدير الا بالنزر اليسير ، ولو افترضنا ان جميع هذه الاموال تنصرف نحو معاملات حقيقة ، فسيكون العائد الجمركي المستحصل منها عبر المنافذ الحدودية يتجاوز الثمانية مليارات دولار سنويا ، ولكن الرقم المعلن المتحقق اقل من هذا بكثير ، وهذا ما يؤشر ممارسات فساد كبيرة في هذا المجال ، طبعا نحن اهملنا هنا نشاط غسيل الاموال ، وفروقات العملة وغيرها . السؤال الاخير ، هل يسلم الاحتياطي النقدي للبنك المركزي كما لم يسلم في المرات السابقة في تغطية الرواتب والاجور وربما بنسب لم يعلن عنها باتجاه دعم مزاد العملة ؟ هذا اذا ما عرفنا ان زمن الازمة الراهنة غير معلوم المدى لاقترانه بفايروس
مبهم ومستجد.