همس وصراخ

الصفحة الاخيرة 2020/05/13
...

زيد الحلّي
 
لماذا ضاعت التمثيليَّة التلفزيونيَّة؟
أيام قليلة ونودع الشهر الفضيل، وبانتهائه نكون قد قضينا أياماً بين فكي الحظر بسبب "كورونا" ومسلسلات التلفزيون، وهي مسلسلات تشابهت معظمها في موضوعاتها، وافتقدت الى الحبكة الدرامية ذات الحرفيَّة الفنيَّة، ذبحوا رمضان بالزعيق والنميمة وبراكين الدم ونحر القيم وعرض حكايات لا تستقيم مع واقع الحال. شاهدنا الفقر يعربد في الطرقات والبيوت ويهدم روح الإنسان، والغنى الفاحش الذي يعدم البصيرة والفضيلة.
لقد نسى القائمون على معظم الفضائيات أنَّ الأسر هي الآن أسيرة الشاشة بعد الحظر، خوفاً من الفيروس اللعين، وهو خوفٌ مبرر بلا شك، بينما كانت هذه الأسر في السابق تنتشر في فضاء مجتمع خالٍ من الأمراض بين رحاب الأهل والخلّان، ودور السينما والمسارح والنوادي الاجتماعيَّة حيث تقضي أماسيها خارج المنزل، ولا تعود إلا في ساعة متأخرة من الليل قبل الإمساك، وليس في ما أقوله بطرٌ، أو حديث حلم، بل واقع عشناه ويعرفه الجميع.
لن استثني أية أعمال فنيَّة من التي عُرضت في مئات الفضائيات وتمكنت من مشاهدتها، حيث كتب عنها نقادٌ عرفوا برصانتهم في صحف عربيَّة مرموقة، باستثناء بعض القلة القليلة (النادرة)، وهذه القلة مثل قنينة عطر تسكبها في ماء بحر أجاج فلا أثر للعطر فيه، لأنه ضاع في لجة الأمواج، وشبيهة بزجاج محطم لا يمكن لملمته، وأشعرتني أني أسكب ماءً في كوب من الرمل، فلا الكوب يمتلئ ولا الماء ينضب، مسلسلات ضُخَّت دفعة واحدة في ثلاثين يوماً، وعلى المشاهد ضريبة مشاهدتها مرة أخرى خلال 330 يوماً القادمات، فنتاجات رمضان كُتب عليها أنْ تعيش ضيفة ثقيلة على مدى الأشهر المقبلة، أي حتى شهر رمضان المقبل عام 2021، وتلك مشكلة المشكلات للفنانين والكتاب ولجهات الإنتاج وللمسوّقين، إنها عملية مركبة لا يعلم خفاياها إلا الراسخون في دهاليز الفن، وهي دهاليز تتعامل في ظواهر الأشياء.
فكيف الخلاص من هذا المأزق؟ شخصياً أجد أنَّ الحل، هو في العودة الى (التمثيليَّة التلفزيونيَّة)، إذ لاحظتُ غياباً شبه تام لها.
إنَّ التمثيليَّة التلفزيونيَّة، سواء كانت للسهرة، أو ضمن البرنامج العام، هي وجبة شهيَّة سريعة للمشاهد، تريح البال والبدن والأعصاب، لا سيما إنْ كانت تحمل سيناريو وفكرة جديدة وبإخراج متميز، وتمثيل مقنع ووقت عرض مناسب. كم نحن بحاجة الى تمثيليَّة تعالج واقع اليوم، تعايش الهموم، وتقترب من الحس الإنساني للمواطن. ففي كل أسرة يعيلها متقاعد، أو عيادة طبيب أو مستشفى أو ورشة سمكري أو صالون حلاقة أو محل خياطة او بقالية أو باص نقل أو مراسل صحفي حكاية، وفي كل مدرسة وجامعة ودائرة حكايات، وتحت سقف البيوت ملامح تصلح لعمل تلفزيوني، ووراء مكاتب المسؤولين والدوائر ألف حكاية وحكاية و.. و.. إنَّ المطالبة بالعودة لتقديم "التمثيليَّة التلفزيونيَّة" يفتح أفقاً واسعاً لتقديم أعمال دراميَّة بكل طرقها، كما يساعدنا في الكشف عن المبدعين من الفنانين، بدل أنْ ينتظر الفنان الشاب أو الشابة عاماً كاملاً ليجد حيزاً بسيطاً في عمل يطلق عليه (مسلسل رمضاني)، كما تسهم التمثيليَّة التلفزيونيَّة في تقديم كفاءات في التأليف، وكذا الحال مع المصور، والإضاءة والمونتاج والماكيير.. الخ.
إنها دعوة أطلقها لإعادة مجدٍ آفل، في العراق مع الأسف، فهل هناك من يساندني؟