السرد المتكرر وحسابات الفهم السينمائي في {shoot}

الصفحة الاخيرة 2020/05/13
...

 
حسين السلمان
 
من الأشياء التي تسعدني في حركة الفيلم الروائي القصير هي حالة الإقدام على تحقيق ما هو أفضل في كل عمل سينمائي يقوم به الشباب. وضمن الفهم العام للتقدم والتطور فإنَّ هذا يعدُّ حالة منطقيَّة في حركة النهوض الفني الذي أخذ الشباب السينمائي العمل بموجبه. الفيلم الذي أقدمه اليوم "shoot" سيناريو آلاء المانع وإخراج عباس هاشم، ينتمي إلى هذه الخاصيَّة الجديدة للفيلم الروائي القصي، وآمل أنْ يتدارك الشباب، وبشكل مبكر، العمل مع الأسلوب المتكرر في السرد السينمائي الذي يتطلب جهداً دقيقاً في حسابات الفهم والوعي السينمائي، فالأمر يحتاج العودة إلى مرجعيات سينمائية في النظرية والتطبيق. وبكل تواضع أشير إلى التجربة الأولى عندنا في مضمار السرد المتكرر قدمتها في فيلمي الروائي الطويل "تأويلات" إنتاج دائرة السينما والمسرح 2012 الذي عرض في مهرجان بغداد السينمائي وأثار جدلاً في الندوة النقاشية.
وتزامنا مع هذا أود تقديم هذه المعلومات عن السرد المتكرر ليكون واضحاً للقارئ ولصناع الفيلم في آنٍ واحد.
إنَّ تكرار المشهد عبر السرد أو عبر حركة الكاميرا وحجم وزاوية اللقطة والحوار غالباً ما يبعث في ذات المتلقي الغرابة والاستفسار، وفي أحيانٍ يقترب من خلق حالة من التشويق لمعرفة ما هو قادم، وهو يقترب بعض الشيء من الحالة التي يخلقها فعل السرد المتوازي، الذي يحدث عبر تأجيل ما تؤول إليه الأحداث. فالتكرار يعتمد على طريقة التنبؤ، وهي طريقة تنتمي إلى البناء الدرامي وتعتمد على تداعي الحدث طبقاً لمنطق السبب والنتيجة أنَّ هذا يتطلب تركيبة درامية مثيرة بقدرة إثارة الحدث ذاته، الذي يعمل على خلق شعور قوي لدى المتلقي بحثاً عن جملة من التوقعات التي يفكر 
بها.إنَّ هذا النوع يعتمد على حالتين هما: التشويق والمفاجأة، فالفيلم يتطلب أنْ يكون مستخدماً ما نسميه (البداية المتأزمة) و(النهاية المبكرة).
 
انكسار الفعل
منذ اللقطة الأولى لفيلم (shoot) يضعنا في حالة فهم عام، وهو يحاول أنْ يخلق، بشكل أولي، حالة من الترقب وهي ناتجة عن تقديم معلومات واضحة وعبر مضمون اللقطة. فالفيلم يعمل على تداخل هذه الحالة ما بين موضعين 
مختلفين. 
في اللقطة الأولى يقدم تعريفاً للجندي (حشد) وهذه ظاهرة تحتاج منا إلى وقفة جادة، لأنَّ كل الأفلام (تهمل) دور الجيش في معركة الوطن. ثم ينتقل الفيلم بلقطة متقاربة مع اللقطة الأولى إلى تعريف غامض بعض الشيء للطرف الآخر (داعش)، وهنا تبدأ رحلة التكرار التي أعيدت لثلاث مرات، فضلاً عن الحالة الأصليَّة الأولى للقصة.
في الإعادة الأولى يحدث تنافرٌ ما بين مضمون اللقطة والحوار، وهكذا الحال في الثانية، إضافة إلى سبب وهو عدم إحداث أو تقديم ما هو جديد، فالأمر ظل محصوراً في ( كل إعادة) بقتل واحد من الدواعش خارج تطور الحدث، أو بناء منطقة جديدة تمنح المشهد المكرر بعداً جديداً، وكذلك من دون إضافة للمضمون، أو منح الكادر حيويَّة أكثر، من خلال تحريك الموضوع نجد في التكرار الثالث، يبدأ العمل بشكل أكثر دقة مما عليه في التكرارين السابقين، بمعنى ظهرت ملامح فهم وإدراك لمتطلبات هكذا سرد، فيه من التعقيدات الكثيرة والذي يحتاج إلى تشكيل وتركيب لغوي دقيق للغاية، وهنا أخذ الفيلم يميل إلى خلق توقعات، وبناء حالات من الشد في الحدث، واقتراب ملحوظ من فرض سيطرة على مجريات الوحدات اللغوية، في ما يخص أثر الفعل في المتلقي، الذي أصبح يعيش بذات الزمن والمكان الواحد الذي تجري فيه أحداث الفيلم بكامل دقائقه، وما دمنا في موقع تحليل النص، فيمكن أنْ أشير إلى تداولية الحوار وإنْ كان منطقياً وحياتياً، لكنه أكثر اقتراباً من البساطة وحتى السهولة، وقد أثقله أداء الممثلين، الذي كان على المخرج التعامل معهم، طبقاً لطبيعة اللقطة، وطبيعة الفعل التصاعدي، والمتغيرات في الطبقة الصوتية، التي كان من الأفضل (درامياً وتعبيراً صوتياً)، أنْ تأخذ طبقات ووتيرة صوتية متباينة، في كل مشهد من مشاهد التكرار، بحيث تنسجم مع طبيعة ومضمون اللقطات.
اقتحام
يمكن ملاحظة اهتمام المخرج في عددٍ من العناصر السينمائيَّة، محاولاً الاستفادة منها من أجل الاقتراب بشكلٍ جيد من الوسائل التي توصله إلى بناء مشهدي صحيح، فمن أهم اشتغالاتها الإخراجيَّة تجسدت في السيطرة على وظائف حركة الكاميرا، وإتقان جيد في حسابات الربط (درامياً ومونتاجاً) ما بين اللقطات، وهذا ما أنتج إيقاعاً تصاعدياً، أظهر طابعاً حسياً في خلق شكلٍ من أشكال التجاذب في داخل حدث واحد، تم بناؤه بأشكال متنوعة، وهنا أود التأكيد على القيمة الأساس التي فتحت للفيلم درجة عالية من الإتقان بوضع تلك النهاية التي هي بمثابة المفاجأة الأهم في 
الفيلم.