العولمة وفيروس الكراهية

آراء 2020/05/15
...

محمد شريف أبو ميسم
أعادت تداعيات جائحة كورونا، الجدل بين التبشير بنهاية العولمة جراء الاغلاق والانكفاء في حدود الدولة الناجم عن الخوف من تفشي الفيروس، وبين الداعين للحمائية بوصفها مطلبا للحركات الشعبوية التي تنامت مع ظهور نمط ليبرالي جديد في أوروبا، قائم على الخشية من التدفقات البشرية الناجمة عن الهجرة غير الشرعية والتي تشكل مخاطر جمة على مستقبل دولة الرفاه في الدول الصناعية المتقدمة. وراح البعض يتكلم عن نهاية العولمة الى غير رجعة، بعد التغيرات التي طرأت على خارطة حركة التجارة العالمية، مع صعود كعب الحمائية واعادة توزيع الأسواق بالمقارنة مع عولمة لن تؤدي الا الى البطالة والافلاس بحسب من يسمون أنفسهم المناصرين لاوروبا، والذين يرون في الاندماج الجهوي مصدرا للنمو والتشغيل كما في تجربة الاتحاد الأوروبي ، اذ يعد الانفتاح وتحرير المبادلات داخل حدود الاتحاد أمرا حاملا لمنافع وفوائد يمكنها أن تنقلب الى عكس ذلك اذا ما تم الدفع بتحرير هذا التطبيق الى أبعد من الحدود الأوروبية، استنادا الى الطابع المنظم في السوق الأوروبية مع الطابع غير المنظم للسوق العالمية، على وفق ما تبرره المنافسة في اطار الدول المتشابهة تخطيا على ما يقال بشأن دور منظمة التجارة العالمية في تنظيم التبادلات التجارية والمالية ، فتبلورت الحمائية داخل مساحة القارة الخضراء الى شكل آخر، أطلق عليه مسمى الاندماج الجهوي كما في تجارب التكتلات الاقتصادية، وسرعان ما ارتقى هذا الاندماج الى حد التابو الذي لا يقبل المناقشة في دعوات المناصرين لأوروبا. 
اليوم وجد البعض في العولمة سببا مباشرا في سرعة انتقال الفيروس  بين دول العالم جراء كسر الحواجز وانفتاح الحدود، وان الاغلاق الذي اعتمدته الدول، وصعود خطاب الكراهية للأجانب والمهاجرين، الذي حذر منه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتوريش جراء الجائحة التي أطلقت العنان لطوفان مشاعر الحقد على الأجانب وإلقاء اللوم على الغير وبث الرعب في الناس، بحسب غوتوريش، وكانت سببا في تحرير ورقة النعي الرسمية للعولمة. هل العولمة محض خيار في ظل تحرير المبادلات التجارية والادارة عن بعد، و زوال حدود الدولة القومية أمام حركة رأس المال والأيدي العاملة وتدفق السلع وهيمنة الشركات التي تحتكر مقومات الأمن الغذائي العالمي واقتصاد المعرفة؟ أم انها واقع لا رجعة عنه في ظل ادارة طائفة الواحد بالمئة التي تهيمن على 85 بالمئة من ثروة  الكوكب الذي نعيش 
عليه؟
انها أسئلة تعيد الى الأذهان، فكرة المسؤولية في ثالوث الليبرالية مع الحرية والملكية، فهي مسؤولية غير ملزمة وانتقائية، تستدعي منح الصدقات عند اليسر من المال المسروق داخل حدود الدولة لتحقيق الولاءات والتبعية. وهكذا تكون العولمة ضرورة بمقتضيات انفتاح سلطة رأس المال على العالم لتحقيق الهيمنة على مقدرات البلدان، ولكنها مصدر لمخاطر جمة على دول الرفاه القائمة على أموال دافعي الضرائب، جراء تدفق المهاجرين وتحرير المبادلات لأبعد من الاندماج الجهوي بين دول العالم الصناعي، لتكون الجائحة مدعاة لاعادة النظر في بروتوكولاتها، في ما تترك لأدوات العولمة الاقتصادية والثقافية التي لا سبيل للتحرر منها في عموم العالم ، مسؤولية السيطرة على هذا العالم وادارة شؤونه.