ميلاد الصباح

الصفحة الاخيرة 2020/05/16
...

حسن العاني 
 
- 1 -
أقسم لو كانت حبيبةً هجرتَها أو هجرتك، لكنتَ بعد 17 سنة – أو دون ذلك من السنين- نسيتَ ذكرها وذكرياتها، إلا هذه المولودة من رحم المعاناة في بيت تراثي من بيوتات بغداد – الكرخ، على مبعدة مئة من السفارة البريطانية في منطقة الشواكة، وكان قدر المولودة التي تدعى (الصباح) أنْ ترى النور في هذا المكان الذي لا يصلح أنْ يكون داراً للنشر أو الاوبرا أو الأيتام، لأنها دار سكنيّة من طرازها الى نكهتها، مثلما كان قدرها أنْ تمارس نوعاً من حرية الصحافة لا عهد لها به ولا تجربة، وأنْ تحتمل من حولها أصوات الرصاص ومشاهد المسلحين والحواسم والخارجين على القانون وهم ينتهكون حياتها وهدوءها 
وحرمتها!!
هناك قرابة 23 صفحة أفردتها في (مذكراتي) لمرحلة الاعداد،
لا يتسع المجال للخوض في تفاصيلها... المهم هنا أنْ أستحضر بعض من أعانتني شيخوختي على استحضاره من ملاكها المؤسس (أكرم علي حسين، رياض شابا، فلاح المشعل، مقداد عبد الرضا، سعد هادي، غانم حسن، ام حاتم، تركي كاظم جودة، سروة عبدالواحد، هديل غانم، عادل عبد الله، سيف الدين كاطع، كاظم الطائي، ظمياء الربيعي، حسن العاني).. وها قد هيأنا كل شيء للعدد صفر الذي صدر بتاريخ
17/ 5 / 2003، وقبل صدوره عقدنا اجتماعاً (تاريخياً) حضرته (الرؤوس الكبيرة) فقط، تزعمه الزميل اسماعيل زاير، كونه (الممول) حيث أصدر فرماناً أعلن فيه نفسه رئيساً للتحرير، وأعقبه بفرمانٍ ثانٍ يقضي بتعييني (نائباً لرئيس التحرير)، وقبل أنْ يلتفت الى الزميل أكرم علي حسين ليمنحه عنواناً اعترضتُ بشدة وقلت له بوضوح (عندما كنتُ أكتب في جريدة العراق بصفتي كاتباً خارجياً، وأمر رئيس النظام السابق بمنعي عن الكتابة مدى العمر، كان الزميل أكرم يومها مديراً للتحرير، وقد استمر بصرف أجوري التي أتقاضاها قبل المنع كما هي، في مجازفة قد تكلفه حياته أو السجن، فكيف أسمح 
لنفسي أنْ أحتلّ موقعاً أعلى منه؟) وعبثاً ذهبتْ محاولات الزميل زاير!
ثمة الكثير مما يمكن قوله حول (الفوضى الخلاقة) التي تتسم بها شخصيَّة صديقي زاير، وأكثر منها ما يمكن أنْ يقال بشأن الأسماء الكبيرة التي استقطبتها الصباح، وما طرحته من رؤى وأفكار غير مسبوقة بحكم الأجواء الجديدة، وأعتقد أنَّ قراءة العدد رقم (1) من الجريدة وما أعقبه من أعدادٍ أخرى، يستحق وقفة متأملة، ولكنَّ الأكثر أهمية هنا يتعلق بقضية الأجور، وكل ما سواها يؤجل الى المقالة المقبلة!!
ما حصل على وجه التحديد اننا في شهر حزيران 2003 (قبضنا) أول (راتب اشتراكي) من الصديق زاير (مع أنَّ الرجل على ما أظن رأسمالي ليبرالي)، وكان هذا الراتب أشبه ما يكون بالسلفة، حيث لم تقرر سقوف الرواتب بعد، وكان المبلغ هو (50) دولاراً لكل منتسب في الجريدة، سواء أكان ذكراً أم أنثى، عجوزاً صالحاً أم مراهقاً محتالاً، سكرتير تحرير أم فراشاً، ولم يخفني شيء في الصباح قدر خوفي من تسلم راتبي بالدولار، لاعتقادي بأنَّ العملة (الامبريالية) سوف تتسيّدُ على عملتنا (الوطنية)، إلا أنني بعد اكتشافي أنَّ دولاراتي بعد التصريف تساوي قرابة (75) ألف دينار، غيّرتُ رأيي بالامبريالية وحلف الأطلسي، ولأنَّ تلك الدولارات كانت من فئة الدولار الواحد فقد امتلأ فمي بالمرارة بعد أنْ سمعت انها تُوزع في أميركا على الشحاذين، بينما تُوزع في العراق على الإعلاميين والمتقاعدين وموظفي الوزارات المنحلة!!