سمير الجبوري!

الصفحة الاخيرة 2018/12/25
...

حسن العاني
لا يخامرني الشك بأن الامر يعود الى سبعينات القرن الماضي، ولكن يصعب عليّ تماماً استذكار العام، يوم تعرفت على الفنان الظريف والانسان الطيب (فاضل جاسم)، وكان ذلك في اثناء جلسة عامة ضمت مجموعة من الاصدقاء الفنانين والاذاعيين في كافتيريا الاذاعة والتلفزيون، وإذن فقد تم التعارف بيننا مصادفة، وفيما كنا نتبادل شتى الاحاديث التي يغلب عليها المرح والمزاح.. فاجأني الفنان جاسم، بل أدهشني حقاً بتلك الذاكرة القوية المتعافية التي تصلح ان يُضرب بها المثل!
لاحظت ان الرجل قد تمعن في وجهي اكثر من مرة، قبل ان يقول لي من دون مقدمات (تعرف استاذ آني وياك كنا تلاميذ في مدرسة واحدة، هي مدرسة الكرخ الابتدائية للبنين على عهد المدير عزة الخوجه... مو بس هاي، كنا كذلك في شعبه واحده!!) وسكت قليلاً ثم قال (وبالمناسبه استاذ احنه التقينا لو عام 1954 لو  1955، يعني سنه وحده وبعدين جنابك صرت بشعبة (أ) وآني بشعبة (ب) لأن عدد التلاميذ صاروا هوايه)
ليس ثمة ما يدعوني الى التشكيك بروايته، فالمعلومات الي اوردها جميعها صحيحة، اسم المدرسة واسم المدير والسنة الدراسية، ولعلني كنت سعيداً بالتعرف على تلك الشخصية الوديعة التي ان كانت روايتها دقيقة، فهذا يعني إنني كسبت ذاكرة استثنائية يمكن الرجوع اليها في كل ما يتعلق بأيام التلمذة والمعلمين والجعيفر الكرخية.. على أية حال منذ تلك الحادثة الظريفة وأنا أستقبله بحفاوة تليق به فناناً وزميل دراسة كلما رأيته، ويستقبلني بأحترام كبير، ويأبى الا ان يناديني بمفردة "استاذ" مع انني رجوته مرات ان يتخلى عنها...
مضت سنوات طويلة من غير ان نلتقي بسبب مشاغلي الكثيرة وتوزعي بين التعليم والاذاعة والصحافة بصورة كان العمر الشبابي يسمح بها، وكذلك بسبب انشغالاته الكثيرة، غير إن محاسن المصادفات وحدها، شاءت ان نلتقي من جديد ذات ظهيرة في كافتيريا (السينما والمسرح)، وكانت تلك أول مرة في حياتي أدخل هذا المكان برفقة الصديق الفنان قاسم السراج (شافاه الله وعافاه من محنته الصحية المتعبة التي لازمته منذ عشر سنوات تقريباً) الذي دعاني بإصرار (لكي ينجز على وجه السرعة موعداً فنياً) ثم نتناول وجبة طعام خفيفة في تلك الكافتيريا، وفيما كنا جالسين مرّ الفنان جاسم مروراً عاجلاً، والقى التحية على صديقه السراج ولم ينتبه لوجودي، فنهضت من مكاني ولحقت به والقيت عليه التحية، وما كاد الرجل يراني حتى مدّ يده وصافحني وهو ينهال عليّ بالاستاذية (شلونك استاذ، شلون صحتك استاذ، مادنشوفك استاذ) ثم وجه كلامه الى السراج (تعرف أخ قاسم، الاستاذ كان ويايه بالابتدائية) وأدرك السراج ان جاسم يتحاشى ذكر اسمي مكتفياً بالاستاذ، ولهذا نصب له فخاً وقال له (فاضل انت خوما ناسي اسم الاستاذ سمير الجبوري؟)، فردّ عليه بثقة (معقوله آني انسى الاستاذ سمير الجبوري.. يمعود أحنا اصدقاء عمر من الابتدائية!!)، وفيما كنا نضحك بصمت، انصرف الفنان فاضل جاسم وهو مطمئن الى انني صديقه القديم.. سمير الجبوري.