ريسان الخزعلي
التفاوض في أبسط تعريفاته ، حوار مباشر بين شخصين أو جهتين في موضوعات مختلفة ، كأن تكون : سياسية ، اقتصادية ، علاقات دولية ، نزاعات خارجية أو داخلية ، تشكيل حكومة ، ترسيم حدود ، معاهدات ، ابرام عقود ، صفقات تجارية ، أزمات ..الخ . ومثل هذا الحوار يهدف للتوصّل إلى اتفاق يحقق المصلحة المشتركة للطرفين المتفاوضيَن .
الأساس في نجاح التفاوض يقوم على المهارة التفاوضيّة ، فالتفاوض فن ، ومن هنا لابدَّ للمفاوض أو المتفاوضين من امتلاك استعدادات ذاتية فنيّة وادارية متراكمة تسبق مرحلة التفاوض، منها : الثقافة التخصصية في موضوع التفاوض ، اللغة الواضحة في الحوار – ماذا أقول ؟ كيف أقول ؟ متى أقول ؟ ..، قدرة عالية في الإنصات ، قدر من المعرفة الأكاديمية في علميَّ النفس والاجتماع ، دراية كافية بطبيعة مجتمع الجهة المفاوِضة – تاريخيّاً وسايكولوجياً وادارياً والإطّلاع المسبق قدر المتاح على تفاوضات سابقة قامت بها هذه الجهة ، تحديد الهدف النهائي من التفاوض والمديات الممكنة في تعديل هذا الهدف ، طبيعة تشكيل وفد التفاوض بما يتناسب مع الموضوع – حيث تميل بعض الجهات إلى زيادة عدد المفاوضين في حين يعتمد البعض الآخر على عدد محدود – وهذا يحصل نتيجة خبراتهم المتراكمة في تحديد الأفضلية ، معرفة حدود الصلاحيات الممنوحة وبما يضمن تقليل حالات الاتصال بالجهات الأعلى كون الإكثار منها يعكس ضعف المفاوض أو المفاوضين ، تقليل المشاورات بين أعضاء الوفد خلال جلسات التفاوض ، فراسة تحديد الأعضاء المؤثرين في الوفد المقابل ، عدم الإسهاب في الشرح الممل ، المهارة في كيفية نقل الكلام من رئيس الوفد إلى الأعضاء عند الضرورة وبما لا يعكس انطباعاً لدى الآخر المقابِل بأن رئيس الوفد قد فقد شيئاً من الإلمام بموضوعه ، تجاهل تلميحات الإغراء وعدم الالتفات إليها .ولكي يكون المفاوض في التوصيف الناجح ، لا بد له أن يستشعر بطريقة بارعة ، ما ينوي المفاوض المقابِل تحقيقه من نتائج ، هل أنها توافقيّة ، تنازليّة ، اقناعيّة ، تسويّة ؟. وهنا يتحدد نجاح التفاوض من عدمه . فالتوافقيّة تعني الشعور بالفوز الثنائي : أنا أفوز / هو يفوز . والتنازليّة تؤدي إلى حالة : أنا أخسر / هو يفوز ، في حين أنَّ الاقناعيّة تعني : أنا أفوز / هو يخسر ، أما التسوية فإنها تعني : أنا أخسر / هو يخسر .َ مفاهيم الربح والخسارة في التفاوض لا يحددها العنصر المادّي فحسب ، وإنما يتعدى الأمر ذلك إلى ماهو أبعد ، حيث الربح السياسي والبُعد الستراتيجي في العلاقات ، وما على المفاوض إلّا حساب التوازنات بدقّة دون الاعتماد على القياس المادّي الكمّي .ما تقدّم من موجز في مهارات التفاوض ، وكما يُفترَض ، يعرفه الطرفان المتفاوضان ، ولذلك تستغرق بعض المفاوضات وقتاً طويلاً ، وبالتالي فإنَّ الحلول التوافقّية هي الأنجع كما تُشير الدراسات التخصصية / الإحصائيّة استناداً الى وقائع تفاوضيّة من التاريخ ، غير أنَّ تلك الدراسات تستثني تفاوضات الحروب ، حيث لا يتحقق مبدأ : أنا أفوز / هو يفوز بالمعنى المطلق وفي المفتتح الأخير ، يتأكد لنا ، أنْ لا تفاوض من دون مهارة تفاوضيّة ، لأنها الضمان في أن تقول ( نعم أو لا ) وأنت على
الصواب .