قوى ضد التغيير

آراء 2020/05/18
...

ساطع راجي
 
يتحدث القادة الاجتماعيون من رؤساء عشائر واقطاعيين الى زعماء دينيين وقوميين ونقباء مهن ومن يحيط بهم او يشتغل تحت سقوفهم عن المجتمع بإعتباره بنية ثابتة وأبدية لا يمكن المساس بها ومنهم من يعتبر هذه البنية حالة مقدسة او قانونا طبيعيا لن يتغير أبدا، وبالتالي فإن أي اصلاح للمجتمع (يرفضون كلمة تغيير) يجب ان يمر عبرهم ولا يقلص من سلطتهم أما التغيير الواسع فهو مستحيل، هذا التيار المحافظ موجود في كل المجتمعات ويطرح نفسه بقوة كلما واجه المجتمع مشكلاته بشمولية تدفع الى تغيير
 جوهري.
القوى المحافظة تحاول الفصل بين سوء اوضاع المجتمع ووجودها على رأس هذا المجتمع وتريد ابعاد نفسها عن أي تغيير، عبر منهجين، الاول هو الممانعة والثاني هو ركوب عجلة التغيير نفسها ومزاحمة مالكيها الشرعيين على قيادتها، وتستخدم القوى المحافظة بعض حواشيها وابنائها للانغماس في قوى التغيير الاجتماعي وتبني خطابها بتطرف أحيانا لتتقدم الصفوف، هؤلاء الحواشي والابناء، بوعي منهم او بدون وعي، يحافظون على امتداداتهم الفكرية والاجتماعية (في مقدمتها الطبقة والدين) الموروثة ولأن تبنيهم للتغيير هو جزء من موضة او اندفاع مراهق وليس نتيجة ظروف موضوعية وبناء فكري فهم مع مرور الوقت (عامل السن هنا جوهري) يعودون لإيصال ما انقطع مع انتماءاتهم السابقة ويعتبرون اندفاعهم الثوري "طيش شباب" حتى لو مكنهم هذا الطيش من رقاب 
الشعوب.
خلال المئة سنة الماضية لاحظ المؤرخون الاجتماعيون ان معظم قيادات قوى التغيير في العراق جاءت من أسر محافظة، والواقع إن هذا النوع من القيادات كان ينجو دائما من حملات التصفية والقمع والاعدامات ربما بفضل سطوة وعلاقات أسرهم بينما يتم سحق الشخصيات التي جاءت من خارج حلبة السلطة الاجتماعية، ويبدو أحيانا كأن السلطة السياسية القمعية والسلطة الاجتماعية تتفقان على انقاذ ابناء السلطة الاخيرة.إن مراجعة قائمة قيادات الاحزاب القديمة التي نجت من بطش الدكتاتوريات والطغيان وتقلب أسر هؤلاء القادة في الانتماء السياسي خلال قرن من الزمان يقود الى ان الحراك السياسي لهذه الأسر لم يكن عشوائيا بل هو منهج للحفاظ على المصالح حتى لو كان الانتماء السياسي لبعض أبنائها بسبب قناعة فكرية او تمرد على الاسرة نفسها في مراحل فورة الشباب او حالة انتقام من البيئة الاجتماعية، ولعل هذا يفسر تمسك الكثير من القادة الثوريين (كما يعلنون) بألقابهم العشائرية والمناطقية وهم في أحزاب ترفض هذه الاصطفافات.
يفرد باحثو الاجتماع السياسي مساحة مهمة لتأثير الاسرة في السلوك السياسي للفرد سواء في الانتماء الحزبي او قرار التصويت في الانتخابات وهم يؤكدون تقارب التوجهات داخل الاسرة الواحدة وهذا طبعا في بيئات مستقرة ومجتمعات مفتوحة لذلك لا تكون الانتقالات حادة إلا في حالات استثنائية، أما في بيئة معقدة كما هو حال العراق فإن القوى المالكة للسلطة الاجتماعية وللمال ستحاول ألا تخسر مواقعها ومصالحها بكل الطرق ولذلك هي ليبرالية مدنية علمانية قومية دينية طائفية مناطقية عشائرية في نفس الوقت بحسب مصالحها وستجد دائما سجلا نضاليا لأحد ابنائها تحت واحدة من كل هذه المسميات لتثبت انها من صميم المسمى السياسي موضع الرهان وهي في كل الاحوال مع السلطة وداخلها.